هل ظلمت الشريعة المرأة بعدم مُساواة ميراثها بالرجل؟
الشريعة الإسلامية لم تظلم المرأة بعدم مُساواة ميراثها بميراث الرجل في بعض الحالات، والمتأمل في الشرع الشريف يجد أنه ضَبَط أمر الميراث، ولم يجعله مستندًا إلى تمييز الذكورة على الأنوثة، وإنما جعل له حِكَمًا ومعاييرَ موضوعيةً، وهذا التفاوت الحاصل في أنصبة الميراث بينهما تظهر حكمته فيما بينهما من التفاوت في الأعباء المالية المقرَّرة على كل منهما، ومن هنا نجد أنَّ المرأة في أكثر حالاتها ترث أكثر من الرجل أو تساويه، بل إنها في بعض الحالات ربما ترث ولا يرث نظيرها من الرجال، وبذلك يكون إعمالُ مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث -في كل الحالات- ظلمًا لها؛ فإنَّ العدل ليس هو المساواة على الدوام.
غير أنَّ هذه المعايير أو غيرها ليست عللًا للحكم؛ فإنَّ العلة الثابتة التي لا تتخلف في مثل هذه المسألة هي التعبُّد لله تعالى وامتثال أمره، وإنما هي حِكَمٌ استنبطها العلماء وحكم بها الواقع.
المحتويات
تقرَّر في ميزان الشريعة الإسلامية الغراء أن المرأة والرجل متساويان في أصل الخلقة والقيمة الإنسانية، وكذلك تحمل مسؤولية الأعمال في سائر التكاليف الشرعية؛ فقد جاء ذكر المرأة تصريحًا مع الرجل في كثير من آي الذكر الحكيم على سبيل المساواة؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء: 1]، وقال عز وجل: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: 124].
وقد أشار إلى تلك المساواة العلامة الشيخ محيي الدين بن العربي؛ فقال في "الفتوحات المكية" (3/ 87، ط. دار الكتب العربية الكبرى): [اعلم -أيدك الله- أن الإنسانية لمَّا كانت حقيقة جامعة للرجل والمرأة، لم يكن للرجال على النساء درجة من حيث الإنسانية.. وقد شرك الله بين الرجال والنساء في التكليف، فكلَّف النساء كما كلَّف الرجال.. ولو لم يَرِد إلا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المسألة: «إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» رواه أبو داود في "سننه" لكان فيه غنية] اهـ.
قام بعض الناس في زماننا هذا ينادون بمساواة المرأة بالرجل في الميراث مطلقًا، وادَّعَوْا أنَّ هناك ظلمًا للمرأة وإجحافًا بحقها وتفضيلًا للرجل عليها، ولا شكَّ أنَّ هذه تصوراتٌ مغلوطة، ومفاهيمُ خاطئة، وحمْلٌ للكلام على غير محمله، واتباعٌ للهوى والفتن التي يبثُّها أعداء الإسلام الذين عملوا على هدم المرجعية وقيمة المقدس في نفوس كثير من المذبذبين الذين اغتروا بهذا الكلام، ولعلهم لم ينتبهوا إلى أنَّ هذه الأنصبة المقررة في الشريعة الإسلامية إنما هي أحكام تعبدية، فإنَّها حُكم الله عز وجل في آيات المواريث لم يجعلها معلَّلة ولم يشرع الاجتهاد فيها؛ قال الله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: 11].
فإنَّ هذا حكم من الله تعالى، لا مجالَ معه إلا الطاعة والانقياد، كما أنه ليس على عمومه، وإنما هو في مسألة بعينها تتجلى فيها بعض الحكم لمن يتعرض لها بتجردٍ وإنصاف.
لعل من أهم هذه الحِكَمِ التي استنبطها العلماء ذلك الفارق الكبير بين ما يتعلق بكل من الرجل والمرأة في الحياة من الأعباء والواجبات في أمور المعيشة؛ فالأعباء المالية على كاهل الرجل أكثر منها على المرأة، بل إنَّ الرجل هو العائل -أي: أنَّه ينفق على من ولاه الله تعالى عليهم من نساءٍ وعيال-، والمرأة مَعِيلَة -أي: أنَّ الرجل هو الذي ينفق عليها-، فالشريعة توجب على الرجل أن يدفع للمرأة التي يريد الزواج بها مهرًا يتفقون عليه أو تَحكمُ لها الشريعة بمهر المثل، وكذلك توجب عليه نفقتها بعد الزواج، في حين أنها لم تكلفها بشيء من ذلك مهما كانت موسرة، بل إنها لو أنفقت من مالها شيئًا في غياب الرجل فإنه يلتزم برده لها.
قال الإمام النووي الشافعي في "المنهاج" (11/ 53، ط. دار إحياء التراث العربي): [ولهذا جُعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وحكمته أن الرجال تلحقهم مؤن كثيرة بالقيام بالعيال والضيفان، والأرقاء والقاصدين، ومواساة السائلين، وتحمل الغرامات، وغير ذلك] اهـ.
ومن ثمَّ فإن هذه الزيادة في ميراث الرجل عن ميراث المرأة في بعض حالات الميراث إنما هي من الأمور التعبدية، ولا تعني بأي حال من الأحوال أيَّ نوعِ انتقاصٍ أو ظلمٍ للمرأة أو تفضيلٍ للرجلِ وتمييزه عليها، بل ربما يكون إعمالُ مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث ظلمًا للمرأة؛ فإنَّ العدل ليس هو المساواة على الدوام، كما أنَّ المرأة في أكثر حالاتها ترث أكثر من الرجل أو تساويه، بل إنها ربما ترث والرجل لا يرث، ولا يكون للرجل ضعفُ ميراث المرأة إلا في حالاتٍ قليلةٍ من حالات الميراث.
فتبقى العلة الأساسية في الأحكام الشرعية التي لم يذكر الشرع الشريف علتها هي التعبُّد والاستسلام لأمر الله تعالى؛ فالمتأمل في الشريعة الإسلامية بالتجرُّد والعدل والإنصاف يجدُ أنَّ أحكامها قائمةٌ على القسط والعدل والمساواة وإن لم تظهر علتها الحقيقية؛فإن الأحكام التي خاطب الله عز وجل المكلفين بها على لسان الشرع تأتي على قسمين:
- قسم يُعرف بالأحكام المعللة أو معقولة المعنى، وهي الأحكام التي من شأنها أن يدركَ العقلُ علَّتَها وحكمتَها.
- وقسم يُسمى بالأحكام التعبدية، وهي: العبادات والأحكام التي لا يتسنى للعقل الوقوف على علَّتها وحِكْمَتِهَا الحقيقية، حتى وإن تجلت له بعض الحِكَمِ التي هي بالاجتهاد والتفكُّر المحض، إلا أنَّه لا يستطيع أن يجزم بأنها مراد الله تعالى من الحُكْمِ، كما هو الأمرُ في: تحديد عدد الركعات في كل صلاة من الصلوات الخمس، وتحديد مقادير الأنصبة في الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومقادير ما يجب فيها، وكذلك محل السؤال وهو: تحديد أنصبة الورثة من التركة وزيادة بعضهم على بعض.
فالحكم التعبدي يتضمَّن العلة والمصلحة، لكنهما خافيتان عنَّا؛ قال الإمام القرافي في "الفروق" (2/ 141، ط. عالم الكتب): [كلُّ أمرٍ تعبديٍّ معناه أن فيه معنًى لم نعلمه] اهـ.
وقال في "نفائس الأصول في شرح المحصول" (1/ 324، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز): [عادة الله تعالى أن شرائعه مصالح لعباده، فكل مكان لا نعلم فيه مصلحة، قلنا: فيه مصلحة لم نطلع عليها، وهكذا كل تعبدي معناه أنَّا لم نعلم بمصلحته] اهـ.
لا شكَّ أن علَّة التعبُّد لا تنفكُّ عن أحكام الميراث في الإسلام؛ فإنها أحكام تعبدية، ونظام تشريعي مستمدٌّ من النسق القرآني الحكيم؛ تَفرَّد الله عز وجل بوضْع أُسسه وضوابطه، نظرًا لعِظَم خطره، وعظيم أهميته، فلم يجعله مجال اجتهاد لأحد، ولا حتى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وأشار إلى ذلك بقوله تعالى: ﴿نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: 7]، وكذلك قوله عز وجل: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 11]، وقوله سبحانه: ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ [النساء: 12]، ثم أعقب ذلك بقوله: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ۞ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: 13-14]، وختم آيات المواريث كلها بقوله تعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النساء: 176].
حتى إنه يطلق على المواريث اسم الفرائض وهي جمع فريضة، واشتقاقها في اللغة من الفرض الذي يأتي لمعانٍ عدَّة منها: التقدير، والقطع، والحز؛ قال العلامة ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (4/ 488-489، ط. دار الفكر):[الفاء والراء والضاد أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تأثير في شيء من حز أو غيره، فالفرض: الحز في الشيء.. ومن الباب اشتقاق الفرض الذي أوجبه الله تعالى، وسُمي بذلك؛ لأن له معالمَ وحدودًا] اهـ.
وبهذا اللفظ أيضًا نطق البيان النبوي الشريف؛ فيما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».
وقد تولى الله عز وجل تشريع وتحديد فرض ونصيب كل وارث من الورثة بنصوص قطعية الدلالة، فهي من ثوابت الدين القاطعة التي لا تخضع للاجتهاد؛ قال الإمام الفخر الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب" (9/ 502، ط. دار إحياء التراث): [قوله: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللهِ﴾ أي: قسمة مفروضة] اهـ.
وقال الإمام البيضاوي في "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" (2/ 61، ط. دار إحياء التراث): [وفيه دليل على أن الوارث لو أعرض عن نصيبه، لم يسقط حقه] اهـ.
وقال العلامة ابن عطية في "المحرر الوجيز" (2/ 20، ط. دار الكتب العلمية): [قوله: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ﴾ تِلْكَ: إشارة إلى القسمة المتقدمة في المواريث، والحد: الحجز المانع لأمر ما، أن يدخل على غيره، أو يدخل عليه غيره] اهـ.
وقال الإمام الزمخشري في "الكشاف" (1/ 487، ط. دار الكتاب العربي): [لا يجوز لهم أن يتجاوزوها ويتخطوها إلى ما ليس لهم بحق] اهـ.
وقال الإمام الزيلعي في "شرح الكنز" (6/ 229، ط. المطبعة الكبرى الأميرية): [(كِتَابُ الْفَرَائِضِ) وَهِيَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ، وَالْفَرْضُ التَّقْدِيرُ، يُقَالُ: فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَيْ قَدَّرَهَا، وَسُمِّيَ هَذَا الْعِلْمُ فَرَائِضَ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدَّرَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُفَوِّضْ تَقْدِيرَهُ إلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، وَبَيَّنَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِن النِّصْفِ وَالرُّبُعِ وَالثُّمُنِ وَالثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ النُّصُوصَ فِيهَا مُجْمَلَةٌ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: 43]، ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [آل عمران: 97]، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ بَيَّنَتْهَا] اهـ.
على هذا: فإنَّ الزعم بأن الإسلام ظلم المرأة ومنَحَها نصف الرجل في الميراث مطلقًا زعمٌ فيه مغالطاتٌ جسيمة، وأمرٌ منافٍ للواقع تمامًا؛ لأنه يعتبر المرأةَ محصورةً في: البنت، والأخت، في حين أنَّ المرأة في فقه المواريث تشمل أيضًا: الأم، والزوجة، والجدة، وبنت الابن، والعمة، والخالة.. إلخ، كما أنه يختزلُ ميراثَ المرأةِ في حالاتٍ قليلةٍ محدودةٍ فقط، والأمر ليس كذلك، فإن من يستقرئ أحوال المرأة في الميراث يجد أن لها ثلاثين حالة: تساوت مع الرجل في بعضها، وزادت عليه أو ورثت ولم يرث هو في بعضها الآخر.
أما الحالات التي يزيد فيها ميراث الرجل عن ميراث المرأة فهي واردة على سبيل الحصر، ترث فيها الأنثى نصف ميراث الذكر بالحكم والنص القرآني من الله تعالى، وقد جعله الله عز وجل حكمًا خاصًّا لازمًا لهذه الحالات المحدودة غير متعدٍّ لغيرها من بقية الحالات، فجعل ميراث المرأة على النصف من ميراث الرجل في أربع حالات فقط ولم يجعله عامًّا أو قاعدة أساسية للتوريث.
وهذه الحالات الأربع ثابتةٌ بنص القرآن، ودليلها قول الله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: 11]، وقوله عز وجل: ﴿وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: 176].
فالآية الأولى في حالتين هما: إذا ترك ابنًا وبنتًا فقط، أو ترك ابنَ ابنٍ وبنتَ ابنٍ فقط؛ ففي هاتين الحالتين تأخذ المرأة نصف الرجل.
والآية الثانية في حالتين هما: إذا ترك أخًا شقيقًا وأختًا شقيقةً أو أخًا لأبٍ وأختًا لأبٍ؛ ففي هاتين الحالتين أيضًا ترث المرأة نصف الرجل، وما عدا ذلك من الحالات فالمرأة فيها ترث مثل الرجل أو تزيد عليه.
كما أنَّ المتأمل في الشرع الشريف يجد أنه ضَبَط أمر الميراث، ولم يجعله مستندًا إلى تمييز الذكورة على الأنوثة، وإنما جعل له حِكَمًا ومعاييرَ موضوعيةً ومنضبطةً منها:
أولًا: درجة قرابة الوارث، فكلما كان الشخص أقربَ للمتوفَّى، زاد نصيبه من الميراث؛ فمثلًا إذا كان ورثة المتوفَّى: أختًا شقيقةً، وأخًا لأم، فإنَّ الأختَ الشقيقةَ ترثُ نصف التركة وهي أنثى، بينما يأخذ الأخ لأم السدس وهو رجل؛ وهذا لأن الأخت الشقيقة أقربُ إلى الميت من جهتين هما: جهة الأب، وجهة الأم، أما الأخ لأم فلا يدلي بقرابته إلى الميت إلا من جهة واحدة هي جهة الأم.
ثانيًا: الوضع الزمني للأجيال الوارثة، فكلما كان الجيل الوارث صغيرًا مستقبلًا للحياة، كان أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة، وتتخفف من أعبائها، من غير اعتبار في ذلك أيضًا لذكورة أو أنوثة؛ فمثلًا نجد أن نصيب ابن المتوفَّى أكبر من نصيب أبِ المتوفَّى حتى ولو كان هذا الابن رضيعًا، إلا أنَّ حاجته إلى المال أكثر.
ولا يستطيع أحد أن يدَّعي أنَّ هذه المعايير أو غيرها -سواء ما تبين منها أو ما لم يتبين بعد- علل للحكم؛ فإننا قد بينَّا أنَّ العلة الثابتة التي لا تتخلف في مثل هذه المسألة هي التعبُّد لله تعالى وامتثال أمره، وإنما هي حِكَمٌ استنبطها العلماء وحكم بها الواقع.
بناءً على ذلك: فالمواريث من الأمور التعبدية والشريعة الإسلامية لم تظلم المرأة بعدم مُساواة ميراثها بميراث الرجل في بعض الحالات، وهذا التفاوت الحاصل في أنصبة الميراث بينهما تظهر حكمته فيما بينهما من التفاوت في الأعباء المالية المقرَّرة على كل منهما.
والله سبحانه وتعالى أعلم.