حكم وضع السيراميك على القبر

  • المفتى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
  • تاريخ الصدور: 01 يناير 2019
  • رقم الفتوى: 4681

السؤال

ما حكم وضع بلاط (سراميك) على المقابر من الخارج؛ لأن الرطوبة تأكل الجدران من الخارج؟

لا مانع شرعًا من وضع البلاط (السراميك) ونحوه على المقابر من الخارج، ما دام ذلك يشكِّل حمايةً لها من رطوبة الأرض ورخاوتها، ويحافظ عليها من عوامل التعرية؛ حتى لا تتآكل جدرانها، ويزيد من إحكام المقابر وإغلاقها؛ حتى تظل مواريةً لأصحابها ساترةً لهم، ما لم يكن ذلك على سبيل الزينة أو التفاخر.

المحتويات

 

حكمة مشروعية دفن الميت

مما كرَّم الله تعالى به الإنسان وفضله على سائر المخلوقات أن شرع له بعد مَمَاتِهِ قبرًا يُواريه، وكِنًّا يستتر فيه؛ صيانةً لحرمته، وحفظًا لأمانته، حتَّى لا تنتشر رائحته، أو تنهشه السباع أو الجوارح، أو ينبشه سارق أو ينتهكه معتدٍ؛ قال تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه: 55]، وقال سبحانه في مَعرِض الِامتِنان: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ۝ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا﴾ [المرسلات: 25-26]، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ [عبس: 21].

ضابط القبر الذي يصلح للدفن

القبر: اسم مصدرٍ يدل على ما يستتر به الشيء ويتطامنُ فيه؛ قال العلَّامة ابن فارس في "مقاييس اللغة" (5/ 47، ط. دار الفكر): [(قَبَرَ): القافُ والباءُ والرَّاءُ: أَصْلٌ صحيحٌ يدلُّ على غُمُوضٍ في شَيْءٍ وَتَطَامُنٍ، مِن ذلكَ: القبرُ؛ قَبْرُ الْمَيِّتِ] اهـ.
وقد نصَّ الفقهاء على أنَّ أقل ما يُطلب في القبر حتَّى يصلح للِدَفن ويصدق عليه اسم القبر شرعًا -سواء كان لحدًا، أو شَقًّا، أو غيرهما؛ كالفساقي ونحوها-: هو حُفرةٌ تُوَارِي الميت، وتَحفظهُ مِن الِاعتِداء عليه، وتَمنعُ من انتشار رائحته؛ قال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته "رد المحتار" (2/ 234، ط. دار الفكر)، عند بيان حدّ العمق داخل القبر: [والمقصود منه: المبالغةُ في منعِ الرَّائحة ونبشِ السباع] اهـ.
وقال العلامة البجيرمي الشافعي في حاشيته "تحفة الحبيب" (2/ 279، ط. دار الفكر): [والضابط للدفن الشرعي: ما يمنع الرائحة والسبُع؛ سواء كان فَسقيةً أو غيرها] اهـ.
وقال العلَّامة البُهوتي الحنبلي في "كشَّاف القناع" (2/ 134، ط. دار الكتب العلمية): [(ويكفي ما يمنع الرائحة والسباع)؛ لأنه لم يرد فيه تقدير، فيُرجَع فيه إلى ما يُحَصِّلُ المقصود] اهـ.

حكم الدفن في الفساقي، وحكم وضع السيراميك على القبر

جرى العمل في الديار المصرية على الدفن في الفَسَاقِيّ؛ جمع فَسْقِيَّة -وهي حجرةٌ صغيرةٌ مبنيةٌ تَسَعُ الميت، سواء كانت تحت الأرض أو فوقها؛ نظرًا لرطوبة الأرض ورخاوتها بسبب مجاورة الأنهار وكثرة المياه الجوفية-، وأقرَّها جماعةٌ مِن الأئمة الفقهاء مِن محققي المذاهب الفقهية المتبوعة، وأجازوا الدفن فيها ما دامت مُحكَمةَ الإغلاق؛ تمنع الرائحة، وتحفظ الميت من السِّباع والجوارح.

وهذه الفساقي تقتضي أن يُحتاط في مُوَارَاة بدن الميت فيها أكثر من غيرها مما يصلح للَّحدِ أو الشَّق، وقد تعامل الفقهاء مع دفن الموتى في الأراضي الرِّخوة أو النَّدِيَّة تعاملًا مصلحيًّا، نظروا فيه إلى المصلحة بفعل ما يدفع الأذى عن الميت؛ فجوَّزوا اتِّخاذ الوسائل وعمل الإجراءات التي تزيد إحكام القبر وإغلاقه، فقالوا بجواز الدفن في تابوتٍ، سواء كان حجرًا أو خشبًا أو حديدًا، وبجواز وضع القصب أو البلاط بدلًا عن الطين، وبجواز وضع الأحجار التي تحفظ القبر من الاندراس والنبش، وبجواز توسيع القبر أو تعميقه أو رفع بنائه كلما احتيج إلى ذلك، ومع اختلافهم في المفاضلة بين الشَّقِّ والَّلحد فقد أجازوهما جميعًا، وهكذا؛ قال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 245، ط. الأميرية): [وإذا كانت الأرض رخوة: فلا بأس بالشَّق واتخاذ التابوت من حجرٍ أو حديدٍ، ويفرش فيه التراب] اهـ.
وقال العلَّامة بدر الدين العيني الحنفي في "البناية" (3/ 248، ط. دار الكتب العلمية): [وقال صاحب "المنافع": اختاروا الشق في ديارنا لرخاوة الأرض، فيتخذ اللحد فيها، حتى أجازوا الآجر، ودفون الخشب، واتخاذ التابوت ولو كان من حديد] اهـ.
وقال العلَّامة ابن نُجيم الحنفي في "النهر الفائق" (1/ 403، ط. دار الكتب العلمية): [وهذا يقتضي أن بناء القبر دون اللحد لا بأس به، هذا إن لم تكن الأرض رخوة، فإن كانت: فلا بأس بالآجُرِّ والخشب حوله] اهـ.
وقال الإمام ابن الحاج المالكي في "المدخل" (3/ 264، ط. دار التراث): [والدفن في التابوت جائزٌ، لا سيَّما في الأرض الرخوة] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 287، ط. دار الفكر): [وسائر الأصحاب يَكرَه أن يُدفَنَ الميتُ في تابوتٍ إلا إذا كانت رخوة أو ندية] اهـ.
وقال العلامة منصور البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 134، ط. دار الكتب العلمية): [(ويجوز) تغطية اللحد (ببلاط)؛ لأنه في معنى اللَّبِن فيما سبق] اهـ.
ومن ذلك: ترميمُ جدران القبر لحمايته من التآكل والسقوط، ولا يدخل ذلك تحت تزيين المقابر الذي كرهه جماعةٌ من الفقهاء؛ بل هو إجراءٌ يُتَّخذ لحماية القبر والحفاظ عليه من رطوبة الأرض؛ خوفًا من الاندراس، أو الهدم، أو الاعتداء على القبر بحَفْرٍ أو نحوه، بما تنتفي به الكراهة عند من يقول بها؛ لِمَا تُقرِّره القاعدة الأصولية من أن: "الكراهة تزول لأدنى حاجة"؛ وذلك كالآجُرِّ، والأحجار التي اعتاد المصريون وضعها على المقابر حفظًا لها من الهدم أو النبش؛ قال العلَّامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 226، ط. المكتبة العصرية): [قال بعض مشايخنا: إنما يُكرَه الآجُرُّ إذا أريد به الزينة، أما إذا أريد به دفع أذى السباع أو شيءٍ آخر: لا يكره] اهـ.
وقال العلَّامة الطحطاوي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص: 619، ط. دار الكتب العلمية): [قال في "الشرح": وقد اعتاد أهل مصر وضع الأحجار؛ حفظًا للقبور عن الإندارس والنبش، ولا بأس به] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز وضع بلاطٍ (سراميك) ونحوه على المقابر من الخارج، ما دام ذلك يشكِّل حمايةً لها من رطوبة الأرض ورخاوتها، ويحافظ عليها من عوامل التعرية؛ حتى لا تتآكل جدرانها، ويزيد من إحكام المقابر وإغلاقها؛ حتى تظل مواريةً لأصحابها ساترةً لهم، ما لم يكن ذلك على سبيل الزينة أو التفاخر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة