برجاء التفضل بتوضيح بعض الأمور المتعلقة بالموت والحياة والاستنساخ؛ الروح هي سر الله تعالى كما جاء بقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85].
هل الروح لجميع المخلوقات الحية: الإنسان، والنبات، والحيوان؟
هل الروح هي الفرق الوحيد ما بين الحياة والموت؟ السؤال يشمل كل شيء حي بما في ذلك الخلايا والنطفة.
هل الروح تتجزأ أو تتبدل في كائنها؟
هل الروح تنفخ في الجنين في بطن أمه بأمر الله تعالى بعد 120 يومًا من الإخصاب؟
السؤال الأساسي: ظهر في الشهور السابقة الاستنساخ في الإنسان، ومن عدة سنوات مضت في الحيوان، وعند التفكير بهذا الأمر أجد أنه من المستحيل أن تنجح هذه التجربة بخلايا ميتة، وهذا ما يؤكده العلم، ولكن أجد أن الفرق بين الخلية الحية والميتة هي الروح فقط، فإذا كانت الروح بكل الخلايا الحية؛ فمن أين التأكد أن الروح تنفخ في الجنين بعد 120 يومًا من الإخصاب؟ وإذا كانت الخلايا الحية بدون روح؛ فكيف تنفخ الروح في الجنين المستنسخ في ظل الظروف غير الطبيعية المصاحبة للتجربة من إلحاد وجنون علمي شاذ من إجراء هؤلاء الملحدين التجربة مختلطة من خلايا إنسان مع بويضة حيوان أو العكس، أو حتى تم وضعه ليس برحم امرأة ولكن بتجويف بطن رجل كما سمعنا، أو حتى أخذ هذه الخلية من جسد متوفى حديثًا؟ بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ [الحج: 73] صدق الله العظيم. برجاء الإيضاح وجزاكم الله خيرًا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما عن الروح:
فأولًا: الروح سر من أسرار الله أودعه في جميع المخلوقات الحية من إنسان ونبات وحيوان ولا يعلم حقيقتها إلا الخالق سبحانه وتعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: 85].
وثانيًا: اختلف أهل العلم في الروح؛ هل تموت، أو لا تموت؟ على قولين: أحدهما أنها تموت؛ لقوله تعالى: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: 88]. والأخرى أنها لا تموت؛ لما ورد في السنة من نعيمها وعذابها.
وثالثًا: الروح لا تتجزأ ولا تتفرق ولا تتبدل.
ورابعًا: تنفخ الروح في الجنين ببطن أمه بعد مائة وعشرين يومًا من الإخصاب؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ..» إلخ. رواه مسلم.
وأما عن الاستنساخ:
فاستنساخ الإنسان بصفة كلية حرامٌ شرعًا، وخروج على منهج الله في استخلاف الإنسان وعلى الإطار الأخلاقي والاجتماعي حسب ما رسمه له القرآن الكريم، أمّا استنساخ جزءٍ أو عضوٍ من أعضاء الإنسان فإن كان لتعويض الإنسان المريض عمّا يفقده أو لعلاجه من بعض الأمراض فهو مشروع، وكذا الاستنساخ لزيادة إنتاجية النبات أو تحسين سلالة الحيوانات، بشرط ألا يؤثر ذلك على توازن البيئة ولا يخل بالمصلحة التي أرادها الله تعالى للكون؛ إنسانًا، وحيوانًا، ونباتًا، وجمادًا.
المحتويات
إجابة الأسئلة المتعلقة بالروح:
الروح سر من أسرار الله أودعه في جميع المخلوقات الحية من إنسان ونبات وحيوان، ولا يعلم حقيقتها إلا الخالق سبحانه وتعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: 85].
واختلف أهل العلم في الروح؛ هل تموت، أو لا تموت؟ فذهب طائفة إلى أنها تموت؛ لقوله تعالى: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: 88].
وقالت طائفة أخرى: إنها لا تموت؛ للأحاديث الدالة على نعيمها وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله تعالى إلى الجسد، ومن هذه الأحاديث ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ»، ثُمَّ قَالَ: «بَلَى؛ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ» متفق عليه.
وقال القاضي محمود الألوسي في تفسيره للقرآن الكريم "روح المعاني" سورة الإسراء الآية 85 (15/ 159، دار الطباعة المنيرية): [موت الروح هو مفارقتها الجسد، فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تنعدم وتضمحل فهي لا تموت بل تبقى مفارقة ما شاء الله تعالى، ثم تعود إلى الجسد وتبقى معه في نعيم أو عذاب أبد الآبدين ودهر الداهرين وهي مستثناة ممن يصعق عند النفخ في الصور على أن الصعق لا يلزم منه الموت، والهلاك ليس مختصًا بالعدم بل يتحقق بخروج الشيء عن حد الانتفاع به ونحو ذلك] اهـ.
والمقرر شرعًا أن الروح لا تتجزأ ولا تتفرق ولا تتبدل.
والروح تنفخ في الجنين ببطن أمه بعد مائة وعشرين يومًا من الإخصاب؛ لما رواه زيد بن وهب عن عبد الله رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ..» إلخ. رواه مسلم في "صحيحه".
إجابة السؤال المتعلق بالاستنساخ:
الاستنساخ بالمعنى المشار إليه حاليًّا وهو الاستنساخ البشري هو جريمة أخلاقية وقانونية ترتكب في حق الإنسان وتمثل اعتداء على ذاتيته وخصوصياته التي يتميز بها من بين سائر الحيوانات، والاستنساخ في هذا المستوى العابث المنفلت من كل القيود والضوابط يعكس الوجه الآخر القبيح والخطير لتقدم العلوم والتقنيات وتطورها خارج إطار الأخلاق ومقاصد الشرائع السماوية، ورغم أن الاستنساخ البشري قد أحاطته جملة من الشكوك والريب في إمكان تطبيقه وصيرورته أمرًا واقعًا، إلا أن ما نشرته الصحف حاليًّا عن الطفلة (إيفا) أثار الرعب في نفوس عقلاء العالم من علماء وسياسيين ومفكرين وقانونيين وغيرهم؛ وذلك لما يحدثه هذا العبث من عدوان ينتهي لا محالة إلى هدم الأسرة وتحطيم الهيكل الاجتماعي للإنسان وتدمير روابط النسب والقرابة وصلات الأرحام ومؤسسة الزواج وهي مؤسسة مقدسة منذ القدم احترمتها الأديان وعوَّلت عليها كثيرًا في أحكامها وتشريعاتها وقيمها.
هذا إضافة إلى أن الاستنساخ البشري سوف يقدم لنا إنسانًا مبتورًا من أي جذور ينتمي إليها أو يشعر بالولاء لها، إنسانًا مشوه الفكر، متحجر القلب، أناني الشعور، باختصار: إنسان لا أخلاقي، لا أصل له ولا فرع، ولنا أن نتصور الصور البشعة للجرائم التي يسهل اقترافها على أيدي هؤلاء المعزولين عقليًّا ونفسيًّا وشعوريًّا، ولعل هذا ما دعا المؤسسات العلمية في أوربا وأمريكا إلى المناداة بضرورة التدخل لوضع حد لهذا العبث الذي طال أخيرًا كينونة الإنسان وتاريخه وحضارته، بل هذا ما حفز الرئيس الأمريكي والرئيس الفرنسي إلى المطالبة بوضع تشريعات قانونية توقف هذا الخطر الذي يهدد الجميع بدون تفرقة، ومن نفس هذا المنطلق يحرم علماء الإسلام والمسيحية واليهودية هذا اللون من الاعتداء العلمي على خليفة الله في الأرض، ويعدونه نشاطًا إبليسيًّا يتعاون عليه شياطين الإنس والجن، وصدق الله العظيم: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ﴾ [النساء: 119].
إذا تركنا هذا اللون من الاستنساخ المدمر -أعني الاستنساخ البشري- وذهبنا نتأمل الاستنساخ في مجالات أخرى؛ كالنبات مثلًا، أو في مجالات طبية بهدف الحصول على أعضاء تعوض الإنسان المريض ما يفقده أو ما يتلف من أعضائه كالكبد والكلى وغيرهما؛ فهذا الاستنساخ إذا تم وأجريت عليه التجارب العلمية اللازمة وثبتت فعاليته فإنه مشروعٌ وتشجعه شريعة الإسلام التي تشجع كل بحثٍ علميٍّ يصب في مصلحة الإنسان المادية والمعنوية.
على ما سبق: يتضح لنا أن استنساخ الإنسان بصفةٍ كليةٍ حرامٌ شرعًا، وخروجٌ على منهج الله في استخلاف الإنسان وعلى الإطار الأخلاقي والاجتماعي حسب ما رسمه له القرآن الكريم، أمّا استنساخ جزءٍ أو عضوٍ من أعضاء الإنسان؛ إن كان ذلك لتعويض الإنسان المريض عمّا يفقده أو لعلاجه من بعض الأمراض فهو مشروع، وكذا الاستنساخ لزيادة إنتاجية النبات أو تحسين سلالة الحيوانات، بشرط ألا يؤثر ذلك على توازن البيئة ولا يخل بالمصلحة التي أرادها الله تعالى للكون؛ إنسانًا، وحيوانًا، ونباتًا، وجمادًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.