حكم كشف وجه الميت أثناء الدفن وطريقة الدفن

  • المفتى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
  • تاريخ الصدور: 29 يوليه 2018
  • رقم الفتوى: 4441

السؤال

ما هي الطريقة الصحيحة لتوجيه الميت داخل القبر؟ وما حكم كشف وجه الميت عند الدفن؟

المأثور في كيفية دَفن الميت أنه بعد دخوله القبرَ يجب أن يُوَجَّه وَجهُهُ وصدرهُ وبطنهُ إلى القِبلة، ويُوضَع على شِقِّهِ الأيمن استِحبابًا، والأصل أن يُغطَّى وجه الميت عند دفنه، واستحبَّ بعض السلف وجماعة من الفقهاء كشفَ خدِّ الميت الأيمن وإفضاءَه إلى الأرض؛ مبالغةً في الاستكانة والخضوع، وإظهارًا للاحتياج والتذلل، مما هو أليق بالعبد الضعيف في هذا الموضع. والأمر في ذلك واسع، على أنه ينبغي مُراعاةُ أعراف الناس والأخذ بما عهدوه في دفن موتاهم مما يوافق الشريعة وينفع الميت.

المحتويات

حكم دفن الميت وكيفيته

مِن المُقَرَّرِ شرعًا أنَّ دَفنَ الميت فيه تكريمٌ للإنسان؛ لقول الله تعالى في مَعرِض الِامتِنان: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ۞ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا﴾ [المرسلات: 25-26]، وقد حَثَّ الإسلامُ عليه، وأَجمَعَ المسلمون على أنَّ دَفن الميت ومُوَارَاةَ بَدَنِهِ فرضُ كِفَايَةٍ؛ إذا قام به بَعضٌ مِنهم أو مِن غيرهم سَقَط عن الباقين.

والمأثور في كيفية دَفن الميت أنه بعد دخوله القبرَ يُوضَع على شِقِّهِ الأيمن استِحبابًا، ويجب أن يُوَجَّه وَجهُهُ وصدرُهُ وبطنُهُ إلى القِبلة، وهذا باتِّفاق الأئمة الأربعة، ويَحرُمُ تَوجيهُ الوَجهِ لغير القِبلة؛ كما هو حاصلٌ مِن بعض مَن يدفن في هذا الزمان.
ويُدخَل بالميت مِن فتحة القبر؛ بحيث يُدفَن تِجاه القِبلة مُباشَرةً مِن غير حاجَةٍ إلى الدَّوَران به داخل القبر، وذلك حسب فتحة القبر؛ إذ المطلوب شرعًا هو وضعُ الميت في قبره على شِقِّه الأيمن وتوجيهُ وَجهِهِ لِلقِبلة كما سَبَق، ولا يَضُرُّ أن يكون الدَّفن على الرَّمل أو التُّراب؛ فكُلُّ ذلك جائز.

صفة القبر الذي يصلح للدفن شرعًا

المطلوب في القبر الشرعي الذي يصلح لِدَفن الميت هو حُفرةٌ تُوَارِيهِ وتَحفَظُهُ مِن الِاعتِداء عليه وتَستُره وتَكتم رائحتَه، والأصل أن يكون ذلك في شَقٍّ أو لَحْد، فأمَّا الشِّق فيكون بأنْ يُعَمَّقَ في الأرض مَحَلّ الدَّفن على قَدْر قامَة الإنسان العادي الذي يَرفع يدَه فوقَه (أي مترين وربع المتر تقريبًا)، ثم يُحفَر في أرضها على قَدْر وضع الميت على جَنبه بِطُوله؛ بحيث يكون على جَنبه الأيمن وصَدرُه لِلقِبلة كما سَبَق بيانُه، ثم يُوَسَّد في قبره ويَدُه لِجَنْبِهِ، ثم تُوضَعُ اللَّبِناتُ أو الحِجارة فوق الشَّقِّ، ثم يَخرج الحافِر، ثم يُهالُ عليه التراب، وأما اللَّحْد فيكون بأنْ يَقوم الواقف داخل الحُفرة المُعَمَّقة في الأرض بحَفرِ مكانٍ في أحَد جانِبَي القبر على بُعد ثُلُثَي طُولِه مِن الأرض يَسمح بدَفن الميت فيه، ويُعَمِّقه؛ بحيث يُمكِن إرقادُ الميت فيه على الهيئة السابقة، ثم يُغطِّي الجانبَ المفتوح باللَّبِن أو الحِجارة، ثم يَخرج الحافِر ويُهِيل التراب، وهاتان الطريقتان إنما تَصلُحان في الأرض الصَّلْبة، فإن لم يَصلُح الدَّفنُ بذلك -كما هو الحال في مِصر وغيرها مِن البلاد ذات الطبيعة الأرضية الرَّخْوَة- فلا مانع مِن أنْ يَكون الدَّفنُ بطريقةٍ أخرى بشرْط أنْ تُحَقِّق المطلوب المذكور في القبر الشرعي، وهذا هو الذي دَعَا أهلَ مِصر للُّجوء إلى الدَّفن في الفَسَاقي مُنذ قُرون طويلة؛ لأنَّ أرض مِصر رَخْوَةٌ تَكثُر فيها المياه الجَوْفِيَّة ولا تَصلُح فيها طريقةُ الشَّق أو اللَّحْد، ولا حَرَجَ في ذلك شرعًا كما نَصَّ عليه جماعةٌ مِن الأئمة الفقهاء مِن محققي المذاهب الفقهية المتبوعة.

حكم كشف وجه الميت أثناء الدفن 

الأصل تغطية وجه الميت عند تكفينه؛ إكرامًا للميت وصيانةً لحرمته، بل ستر الوجه مقدمٌ على ستر الرجلين إذا قصر الكفن عن استيعاب جسد المتوفى؛ فعن خبَّاب بن الأرت رضي الله عنه قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل الله نبتغي وجه الله تعالى، فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عميرٍ رضي الله عنه قُتِلَ يوم أحد، فلم نجد له شيئًا يُكفَّن فيه إلا نمرة، وكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه، فإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِيهِ الإِذْخِرَ» متفق عليه. والإِذْخِر: نوعُ نباتٍ طيب الرائحة.

قال القاضي عياض المالكي في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 391، ط. دار الوفاء): [وفيه: أنَّ الكفن إذا ضاق عن الميت ولم يستر جميعه: فتغطية رأس الميت أولى من رجليه؛ لأجل تغيُّر محاسن الوجه بالموت، وإكرامًا للوجه والرأس] اهـ.

وجاء في السنة المشرفة أن في كشف وجه الميت تشبهًا باليهود؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» رواه الطبراني في "المعجم الكبير"، والدارقطني في "السنن"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، والضياء المقدسي في "المختارة"، وصححه ابن القطان، وقال الهيثمي: ورجاله ثقات.

قال العلَّامة الأمير الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (5/ 508، ط. دار السلام): [«خمِّروا وجوه موتاكم» أي غطوها، «ولا تشبهوا باليهود» فإنهم لا يخمِّرون وجوههم] اهـ.

غير أنَّ بعض السلف وجماعةً من فقهاء الشافعية والحنابلة استحبوا كشف خدِّ الميت وإلصاقه بالأرض عند دفنه؛ إظهارًا للاستكانة، ومبالغة في التضرع، وتعطّفًا لله تعالى رجاء القبول والرحمة في هذا المنزل؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أوصاني عمر بن الخطاب فقال: "إِذَا وَضَعْتَنِي فِي لَحْدِي فَأَفْضِ بِخَدِّي إِلَى الْأَرْضِ؛ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَ خَدِّي وَبَيْنَ الْأَرْضِ شَيْءٌ" أخرجه الإمام أحمد في "الزهد"، وعن الضَّحاك ابن مُزاحم أنَّه أوصى أن تُحَل عنه العقد ويبرز وجهه من الكفن. أخرجه ابن أبي شيبة في "المُصنف".

قال إمام الحرمين الجويني الشافعي في "نهاية المطلب" (3/ 26، ط. دار المنهاج): [ولو أفضى بوجهه إليها، أو إلى تراب قبره حتى يكون على صورةِ مستكينٍ لربه: كان حسنًا] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 293، ط. دار الفكر): [وقد صرح المصنف في "التنبيه" والأصحاب بالإفضاء بخده إلى التراب، ومعناه: أن يُنَحَّى الكفن عن خده ويوضع على التراب] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 327، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويفضي بخده) الأيمن (مكشوفًا إليها)، الأولى: إليه، أي: إلى نحو اللبنة، (أولى التراب) مبالغةً في الاستكانة والامتهان؛ رجاء الرحمة، وقوله من زيادته مكشوفًا: إيضاح] اهـ.

وقال أيضًا في "الغرر البهية" (2/ 119، ط. الميمنية): [(ووجهه) من جانبه الأيمن (إلى تراب وسدا، أو) إلى حجر، أو (لبِنة) بكسر اللام وسكون الباء لغة في لبنة بفتح اللام وكسر الباء؛ أي: جعل ذلك -بعد تنحية الكفن عن خدِّه- وسادةً له؛ مبالغة في الاستكانة] اهـ.

وقال العلَّامة عميرة الشافعي في "حاشيته" (1/ 409، ط. دار الفكر): [بل المطلوب كشف خده والإفضاء به إلى التراب استكانةً وتواضعًا، ورجاءً لرحمة الله، وعطفة من الله علينا بالرحمة والعفو في هذا المنزل وقبله وبعده آمين] اهـ.

وقال العلامة سليمان الجمل الشافعي في "حاشيته على شرح المنهج" (2/ 199، ط. دار الفكر): [(قوله: ويفضي بخده)، أي بأن يكشف ويلصق لحمه بنحو اللبنة، فقوله إليه: أي إلى نحو اللبنة اهـ. شيخنا] اهـ.

وقال العلَّامة البهوتي الحنبلي في "دقائق أولي النهى" (1/ 373، ط. عالم الكتب): [ويزال الكفن عن خده ويلصق بالأرض؛ لأنه أبلغ في الاستكانة؛ قال عمر رضي الله عنه: "إذا أنا مِتُّ فأفضوا بخدي إلى الأرض"] اهـ.

وقال في "كشاف القناع" (2/ 137، ط. دار الكتب العلمية): [ويفضي بخده الأيمن إلى الأرض، بأن يزال الكفن عنه ويلصق بالأرض؛ لأنه أبلغ في الاستكانة والتضرع] اهـ.

وقال العلَّامة الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (1/ 903، ط. المكتب الإسلامي): [(ويفضي بخده للأرض)؛ لأنه أبلغ في الاستكانة، (فيرفع الكفن ليلصق) خده (بها)، أي: الأرض؛ لقول عمر رضي الله عنه: "إذا أنا مِتُّ فأفضوا بخدي إلى الأرض"] اهـ.

الخلاصة

وبناءً على ذلك: فالأصل أن يُغطَّى وجه الميت عند دفنه؛ استصحابًا لهيئة تكفينه، واستحبَّ بعض السلف وجماعة من الفقهاء كشفَ خدِّ الميت الأيمن وإفضاءَه إلى الأرض؛ مبالغةً في الاستكانة والخضوع، وإظهارًا للاحتياج والتذلل، مما هو أليق بالعبد الضعيف في هذا الموضع، ولم ير آخرون ذلك. والأمر في ذلك واسع، وينبغي مُراعاةُ أعراف الناس في ذلك والأخذ بما عهدوه في دفن موتاهم مما يوافق الشريعة وينفع الميت.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة