ما حكم أكل الجمبري عند السادة الحنفية؟ حيث إن بعض الناس ينسبون إلى المذهب الحنفي تحريم أكل الجمبري؛ حيث إنه لا يباح عندهم إلا الأسماك فقط، وانطلاقًا مِن شبهه بالعقرب أو الدود؛ حيث يحرم من حيوانات البحر ما شابه المحرَّم من حيوانات البَرِّ.
الجمبري حلالٌ عند جميع الفقهاء، ومنهم السادة الحنفية، والصحيح أنه لا خلاف في ذلك عندهم؛ لاتفاق أهل اللغة وغيرهم على أنه نوع من السمك، وكل أنواع السمك وأصنافه حلال.
ولا مشابهة بين الجمبري والعقرب؛ فالجمبري من طائفة القشريات، وهو معدود مِن طيبات السمك عند العرب وغيرهم وفي أعراف الناس، أما العقرب فمن العنكبوتيات وهو مستقذَرٌ عُرفًا وشرعًا، وكذلك الحالُ في الدُّود؛ فإنه مُستَقْذَرٌ كذلك، والتشابه الظاهري بينهما لا يُنْبِئُ عن أي مشابهة حقيقية بينهما في الخصائص أو المميزات.
المحتويات
الجمبري: حيوان مائي صغير لا فقاري من القشريات، يتنوع إلى حوالي ألفي نوع، وهو معروف.
وكلمة "جمبري" في الأصل كلمة إيطالية سَرَتْ حديثًا مع غيرها مِن الألفاظ الإيطالية إلى لهجة أهل مصر كما ذكره غير واحد مِن المصنفين؛ منهم عبد الرحمن بدوي في "سيرة حياتي" (1/ 12- 13، ط. المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، وواحده بالإيطالية: جامبيري (gamberi) وجمعه: جامبيرو (gambero)، وقد نص على ذلك المستشرق رينهارت آن دُوزِي (ت 1300هـ) في "تكملة المعاجم العربية" (8/ 387، ط. وزارة الثقافة العراقية) فقال: [قنبار (بالإيطالية gambaro, gambero): سرطان البحر، إربيان، روبيان، جمبري (باجني مخطوطات)] اهـ.
ويُسَمَّى في بلاد المغرب العربي باسم "القَمرون"، وهي تسمية مغربية قديمة؛ ينسبها العلَّامة ابن البيطار في القرن السابع الهجري لأهل الأندلس في كتابه "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" (2/ 146، ط. سونثيمر)، وما زالت هذه التسمية مستخدمة عند أهل المغرب حتى الآن، وهي لهجة أندلسية، وفي اللغة الأسبانية القشتالية [kä.mä.'ro̞n] camarón عن الكلمة الرومية (cammărus)، وترى بعض المراجع الأجنبية أن الكلمة الإيطالية والرومية يرجع أصلهما لكلمة (κάμμαρος) اليونانية.
وكان "الجمبري" يُسَمَّى عند أهل مصر قديمًا "بالقُرَيْدِس"، كما نص عليه شيخُ العشَّابين في الديار المصرية العلَّامة أبو محمد بن البيطار (ت646هـ) في كتابه "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" (2/ 146) حيث يقول: [رُوْبِيَان: هو سمكٌ بحريٌّ تُسَمِّيه أهلُ مصرَ: "القُرَيْدِسَ"، وأهلُ الأندلس يعرفونه "بالقَمرون] اهـ، بل وينقل العلَّامة ياقوت الحموي (ت626هـ) في "معجم البلدان" (2/ 53، ط. دار صادر) هذه التسمية عن الحسن المهلبي (ت380هـ) صاحب "المسالك والممالك" عن صاحب "تاريخ تِنِّيس"؛ حيث عدَّ "القُرَيْدِس" ضمن تسعة وسبعين نوعًا من أنواع السمك المعروفة في مدينة "تِنِّيس" بالديار المصرية، وما زالت هذه التسمية باقيةً حتى الآن عند أهل الشام.
وظهر شبه هذه التسمية في كثير من اللغات؛ كاللغة التركية (karides) والفرنسية (crevettes)، وقد جعل لويس معلوف أصل هذه الكلمة يونانيًّا؛ فقال في "المنجد" في اللغة (ص: 619، ط. المطبعة الكاثوليكية): [القُرَيْدِس (ح): جنس سمك صغير بقدر الجرادة أو أكبر قليلًا يشبهها، وهو من القِشْريَّات العُشَارِيَّة الأَقدام (يونانية)] اهـ.
بينما استظهر غيره أنها تصغير "قُرْدُوس"؛ والقَرْدَسةُ في اللغة: الشدة والصلابة؛ كما هو ظاهر صنيع بطرس البستاني في "محيط المحيط" (ص: 725، ط. مكتبة لبنان)، وانظر: "تكملة المعاجم العربية" لرينهارت دوزي (1/ 108، هامش (141)، ط. وزارة الثقافة والإعلام العراقية)، تحقيق: د. محمد سليم النعيمي.
وقد يُسَمَّى "الجمبري" بأسماء أخرى؛ منها: - "الجراد البحري" كما نقله العلَّامة ابن البيطار في "الجامع" (1/ 22) عن بعضهم.
- و"برغوث البحر"؛ حيث نقل لويس معلوف في "المنجد" (ص: 34)، وجبران مسعود في معجم "الرائد" (ص: 170، ط. دار العلم للملايين) أنَّ [برغوث البحر" هو المعروف بين الناس "بالقُرَيْدِس] اهـ.
- و"أبو جلنبو"؛ حيث ذكر العلامة الأنطاكي في "تذكرته" (1/ 175، ط. المطبعة الميمنية سنة 1308هـ) أنَّ الروم تُسَمِّيه بذلك.
واسم "الجمبري" في اللغة العربية الفصحى -كما هو في معاجم اللغة العربية قديمًا وحديثًا-: ["الإِرْبِيَانُ" بكسر الهمزة، وفتح همزته لحنٌ] اهـ، كما نص عليه ابن قتيبة في "أدب الكاتب" (ص: 392، ط. مؤسسة الرسالة)؛ وهو إما على وزن (إِفْعِلَان) من (ربو) والهمزة والألف والنون زوائد، وعليه جرى سيبويه -فيما نقله الحافظ السيوطي في "المزهر" (2/ 59، ط. دار الكتب العلمية)- وابنُ قتيبة في "أدب الكاتب" (ص: 596)، وإما على وزن (فِعْلِيَان) من (أرب) والياء والألف والنون زوائد، وعلى الوجهين جرى صاحب "القاموس المحيط" حيث ساقه في المادتين كلتيهما.
ويقال له "الرُّوْبِيَانُ" أيضًا؛ كما سمَّاه بذلك أبو بكر بن زكريا الرازي (ت313هـ) في "الحاوي" في الطب (6/ 176، ط. دار إحياء التراث العربي)، والرئيسُ أبو علي بن سينا (ت428هـ) في "القانون" في الطب (1/ 669)، والعلامة ابن البَيْطار (ت646هـ) في كتابه "الجامع" (2/ 146)، والإمام الرضيُّ الاستراباذي (ت686هـ) في "شرح الشافية" (2/ 343، ط. دار الكتب العلمية)، والإمام الدَّمِيري (ت808هـ) في "حياة الحيوان" (1/ 514، ط. دار الكتب العلمية)، والعلامة داود الأنطاكي (1008هـ) في "تذكرة أولي الألباب" (1/ 43)، وصرَّح بصحة هذه التسمية؛ فقال: [كذا نقلوه؛ فلا وجهَ لتَغْلِيطِه] اهـ.
ويُسَمِّيه "بالرُّوبِيان" أهلُ الخليج والعراق حتى الآن. فتحصَّلَ مِن ذلك يقينًا: أنّ "الجمبري" -المعروف بين الناس "بالقُرَيْدِس" و"القَمرون"، وباللغة الإنجليزية (Shrimp) و(Prawns)- هو عينُه "الإِرْبِيَانُ" و"الرُّوْبِيَانُ" المنصوصُ عليهما في كتب السابقين من أهل اللغة والفقه والحيوان والطب وغير ذلك، كما يُعْلَم مِن النقل السابق عن العلَّامة ابن البيطار، وكما يُعْلَمُ مِن وصف "الإِربِيان" و"الرُّوبِيَان" في كتب السابقين؛ حيث يصفه الصاحب بن عباد بأنه: [سمك أحمر نحو الإصبع المعقوفة] اهـ، ويصفه الجوهري والفيروزآبادي بأنه: [أبيض كالدود] اهـ، ويصفه الدميري بأنه: [صغير جدًّا أحمر] اهـ، ويصفه داود الأنطاكي بأنه: [أحمر كثير الأرجل نحو السرطان لكنه أكثر لحمًا] اهـ، إلى غير ذلك من النصوص التي يأتي سياقها عند الكلام على عدِّ "الجمبري" نوعًا من السمَك في اللغة والعرف، وهذا بغض النظر عن التفرقة الاصطلاحية الحادثة التي قد تُستخدم للتفرقة بين بعض أنواعه؛ كتسمية الكبير منه "بالقُرَيْدِس" والصغير "بالروبيان".
وهذا أيضًا ما صرحت به المعاجم العربية الحديثة:
جاء في "تكملة المعاجم العربية" للمستشرق رينهارت آن دُوزِي (8/ 221) عند وصف "القُرَيْدِس": [ويتضح منه: أنه "الروبيان" في مصر] اهـ، وذكر في تفسير "القنبار" (الجمبري) (8/ 387) أنه: [الإربيان والروبيان] اهـ.
وجاء في "محيط المحيط" لبطرس البستاني (ت1300هـ) (ص: 725):[القُرَيْدِس": سمكة صغيرة بقدرة الجرادة أو أكبر قليلًا، تشبهها] اهـ.
وفي "المنجد في اللغة" للويس معلوف اليسوعي (ت1365هـ) (ص: 8، ط. المطبعة الكاثوليكية): [إِرْبِيَان ورُوْبِيان (ح): جنس سرطان بحريُّ من القشريَّات العُشارية الأقدام، ويُعرَف "بالقُرَيْدس". فيه أصناف عديدة لذيذة الطعم. يصطادونه على شواطئ الأُوقيانوس والبحر المتوسط] اهـ.
وفي "معجم الرائد" لجبران مسعود (ص: 630، ط. دار العلم للملايين): [القُرَيْدِس: حيوان بحريٌّ صغير بقَدْر الجرادة أو أكبر قليلًا ذو عشر أقدام] اهـ.
وفي "معجم الألفاظ الزراعية" لمصطفى الشهابي (ص: 197، ط. مكتبة لبنان): [الإربيانُ: ضَرْبٌ مِن السَّمَك، وهو القُرَيْدِسُ في الشام، والجمبري في مصر] اهـ.
قد نص أهل اللغة على عَدِّ "الإِرْبِيَان" نوعًا مِن أنواع السَّمَك بلا خلاف بينهم في ذلك؛ فالجاحظ (ت255هـ) في كتاب "الحيوان" (4/ 311، ط. دار الكتب العلمية) يسوقه في أصناف السَّمك، وقال أبو بكر بن دريد (ت321هـ) في "جمهرة اللغة" (3/ 1236، ط. دار العلم للملايين): [وإربِيان: ضربٌ مِن الحيتان أحسبه عَرَبيًّا] اهـ، وقال الصاحب بن عبَّاد (ت385هـ) في "المحيط": [والإِرْبِيَانُ: سَمَكَةٌ حَمْرَاءُ نَحْوُ الإِصْبَعِ المَعْقُوْفَةِ] اهـ، وقال الجوهري (ت393هـ) في "الصحاح" (6/ 2351، ط. دار العلم للملايين): [والإربيان بكسر الهمزة: ضرْبٌ مِن السَّمَك بيضٌ كالدُّود] اهـ، وقال أبو هلال العسكري (ت395هـ) في "التلخيص في معرفة أسماء الأشياء" (ص: 392، ط. دار طلاس): [والإِرْبِيانُ والعومةُ ضربٌ منَ السَّمكِ صغارٌ، عربيٌّ معروفٌ] اهـ، وقال أبو العلاء المَعَرِّيُّ (ت449هـ) في "رسالة الملائكة": [وهو ضَرْبٌ مِن السَّمَك] اهـ، وقال أبو الحسن بن سيده (ت458هـ) في "المُحكَم والمحيط الأعظم" (10/ 307، ط. دار الكتب العلمية): [والإرْبِيانُ: ضَرْبٌ مِن السَّمَكِ] اهـ، ومثله الجواليقي (ت540هـ) في "شرح أدب الكاتب" (ص: 296، ط. دار الكتاب العربي)، ونقل العلّامة ياقوت الحموي (ت626هـ) في "معجم البلدان" (2/ 53) عن صاحب "تاريخ تِنِّيس" أنه عدَّه من أنواع السمك الموجودة في "تِنِّيس"، وقال نجم الدين الرضي الإستراباذي (ت686هـ) في "شرح شافية ابن الحاجب" (2/ 343، ط. دار الكتب العلمية): [إرْبِيَان: نوع من السمك معروف بالروبيان] اهـ، وقال العلامة الدميري (ت808هـ) في "حياة الحيوان" (1/ 514، ط. دار الكتب العلمية): [الروبيان: هو سمك صغير جدًّا أحمر] اهـ، وقال العلَّامة المجد الفيروزآبادي (ت817هـ) في "القاموس المحيط" في مادة (أرب): [والإِرْبِيانُ بالكسر: سَمَكٌ] اهـ، وقال في مادة (ربو): [سَمَكٌ كالدُّودِ] اهـ، والإمام الفيروزآبادي حنفي المذهب، وقال شيخ الأطباء في عصره العلامة داود بن عمر الأنطاكي في كتابه "تذكرة أولي الألباب" (1/ 175): [رُوْبِيَان: اسمٌ لِضَرْبٍ مِنَ السَّمَك، يكثر ببحر العراق والقلزم، أحمرُ كثيرُ الأرجل نحو السرطان لكنه أكثرُ لحمًا] اهـ.
بل نقل الإمامية ذلك في كتبهم عن الإمام الحسين السبط رضي الله عنه (ت61هـ)، وموسى الكاظم رحمه الله (ت183هـ)؛ حيث أورد العلامة العاملي في كتابه "تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة" (24/ 141-142، ط. مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث): عن الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام "أن رجلًا سأله عن الإِرْبِيَان، وقال هذا يُتَّخَذُ منه شيءٌ يُقال له "الرِّبِّيثا"، فقال: "كُلْ؛ فإنه مِن جنس السمك"، ثم قال: "أمَا تَراها تَقَلْقَلُ في قشرها"، وعن الإمام أبي الحسن موسى الكاظم أنه قيل له: ما تقول في أكل الإِرْبِيَان؟ فقال: "لا بأس بذلك، والإِرْبِيَانُ ضَرْبٌ مِن السمك".
قد نص السادة الحنفية على إباحة أكل جميع أنواع السمك، من غير تفريق بين نوعٍ ونوع، قال الإمام السرخسي في المبسوط (11/ 248، ط. دار المعرفة): [جَمِيعُ أَنْوَاعِ السَّمَكِ حَلَالٌ؛ الْجِرِّيثُ وَالْمَارِهِيجُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ] اهـ.
وعلة القول بإباحة أنواع السمك المختلفة عند الحنفية: اندراجُها تحت اسم "السمك" في اللغة، قال العلامة العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (10/ 730، ط. دار الفكر): [وقال: ولا بأس بأكل الجِرِّيث والمارماهي وأنواع السمك والجراد من غير ذكاة ش: أي: قال القدوري رَحِمَهُ اللهُ: (والجِرِّيثُ بكسر الجيم وتشديد الراء بعده آخر الحروف ساكنة وفي آخره ثاء مثلثة. قال في كتب اللغة: هو نوع من السمك).. قلت: (الجِرِّيث: السمك السود: والمارماهي: السمكة التي تكون في صورة الحية، و"ماهي": هو السمك، وإنما أحل أنواع السمك لعموم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أحلت لنا ميتتان» ... الحديث] اهـ.
بل نقل الإمام الكاساني الحنفي الإجماع على حل جميع أنواع السمك من غير فرق بين نوع وآخر؛ فقال في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (5/ 36، ط. دار الكتب العلمية): [ويستوي في حل الأكل جميعُ أنواع السمك من الجريث والمارماهي وغيرهما؛ لأن ما ذكرنا من الدلائل في إباحة السمك لا يفصل بين سمكٍ وسمكٍ إلا ما خُصَّ بدليل، وقد رُوي عن سيدنا علي وابن عباس رضي الله عنهما إباحة الجِرِّيث والسمك الذَّكَر، ولم يُنْقل عن غيرهما خلافُ ذلك، فيكون إجماعًا] اهـ.
ونقل الإجماعَ على إباحة السمك بكلِّ أنواعه كذلك غيرُ واحد من العلماء:
قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (13/ 86، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقد أجمع المسلمون على إباحة السمك] اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/ 619، ط. دار المعرفة): [لا خلاف بين العلماء في حِلِّ السمك على اختلاف أنواعه] اهـ.
فكلُّ ما كان من جنس السمك لغةً وعرفًا فهو حلالٌ عند الحنفية بلا خلاف في ذلك، وجاء في نصوص علمائهم التصريحُ بحلِّ أكل الرُّوبِيَان بخصوصه مع غيره مِن أنواع السمك بلا خلاف؛ لدخوله في مُسمَّى "السمك" لغةً وعُرفًا، وسبق سياق نص العلامة الفيروزآبادي -وهو من علماء الحنفية- على أن الإِرْبِيَان مِن السمك.
وهذا هو ما عليه العمل والفتوى لدى علماء الحنفية في الديار الهندية والباكستانية وغيرها.
وأجمعُ مَن تكلَّم مِن متأخري الحنفية على حكم أكل الإربيان: هو العلامة الشيخ أحمد رضا خان البريلوي الحنفي (ت1340هـ)؛ فإنه حقق في "فتاواه" القولَ بحله على مقتضى إطلاق المتون، غير أنه أفتى بأولوية التورع عنه خروجًا من الخلاف فيه:
جاء في كتابه الحافل "العطايا النبوية في الفتاوى الرضوية" (ص: 333- 337، ط. رضا فاؤنديشن، لاهور 1994م) مع الترجمة العربية: [استفتاء رقم 173: المستفتي: شوكت علي المحترم 2 ربيع الثاني الميمون 1320هـ: ماذا يقول علماء الدين وأهل الفتوى في الشرع المتين في حكم الإربيان؛ هل يجوز أكله أم لا؟ وهل أكله مكروه أم حرام؟ الإجابة: نُقِلَ في "الحمادية" قولان بالجواز وعدمه؛ حيث قال: الدود الذي يُقال له جهينگه عند بعض العلماء؛ لأنه لا يشبه السمك، وإنما يباح عندنا من صيد البحر أنواع السمك، وهذا لا يکون کذالك، وقال بعضهم: حلال؛ لأنه يسمى باسم السمك. أقول: ظاهر عبارة "الحمادية" أن عدم الجواز هو المختار لديه؛ لأنه قدَّمه، والتقديم أمارة التقديم، وسمَّاه دودًا، والدود حرام، واستدل للقول بالحل بأنه يُسَمَّى باسم السمك دون أن يُسمِّيَه هو بذلك. والتحقيق في هذا المقام: أنه لا يجوز من صيد البحر غيرُ السمك، وغيرُه حرام مطلقًا في مذهبنا، وعلى هذا: فمن ظن أن الجمبري ليس من أنواع السمك فينبغي أن يكون حرامًا عنده، غير أن العبد الفقير رجع إلى كتب اللغة وكتب الطب وكتب علم الحيوان فوجدها جميعًا تنص على أنه نوع مِن السمك صراحةً: ففي "القاموس" (الإربيان بالكسر: سمك كالدود) اهـ، وفي "الصحاح وتاج العروس": (الإربيان: بيض مِن السمك كالدود يكون بالبصرة) اهـ، وفي "الصُّرَاح في لغة الصحاح": (الإربيان: نوع من السمك) اهـ، وفي "منتهى الأرب": (وهو نوع من السمك الذي يقال له باللغة الهندية "جهينگا) اهـ، وفي "مخزن الأدوية": (الروبيان والإربيان أيضًا، ويقال له بالفارسية: سمك روبيان) اهـ، وفي "تذكرة أولي الألباب" لداود الأنطاكي: (روبيان: اسمٌ لضرب من السمك يكثر ببحر العراق والقلزم، أحمر كثير الأرجل نحو السرطان لكنه أكثر لحمًا) اهـ، وفي "حياة الحيوان الكبرى": (الروبيان: هو سمك صغار جدًّا أحمر) اهـ، وفي "الجامع" لابن البيطار: (روبيان: سمكٌ بحري تُسَمِّيه أهل مصر "القُرَيْدِس"، وأهل الأندلس يعرفونه "بالقمرون) اهـ، وفي "أنوار الأسرار": (الروبيان: سمك صغار جدًّا أحمر) اهـ. وبناءً على هذا، وعلى إطلاق المتون وتصريح "معراج الدراية": ينبغي أن يكون مباحًا مطلقًا؛ فإن المتون صرحت بحل جميع أنواع السمك، والطافي ليس نوعًا برأسه، بل وصف يعتري كلَّ نوع. وصرَّح صاحب "المعراج" بأن الأسماك الصغيرة التي لا تُشَقُّ بطنها ولا يُنَظَّف ما بداخلها من نجاسات وتُحَمَّرُ وتُقْلَى كما هي مباحةٌ لدى جميع الأئمة سوى الإمام الشافعي. وفي "رد المحتار": (وفي "معراج الدراية": ولو وُجِدَتْ سمكةٌ في حوصلة طائر، تُؤكَل، وعند الشافعي: لا تؤكَل؛ لأنه كالرجيع، ورجيع الطائر عنده نجس، وقلنا: إنما يُعتَبَرُ رجيعًا إذا تغير، وفي السمك الصغار التي تُقلَى من غير أن يُشَقَّ جوفه؛ فقال أصحابه: لا يحل أكلُه؛ لأن رجيعه نجس، وعند سائر الأئمة: يحل) اهـ. ولكن العبد الفقير رأى في "جواهر الأخلاطي" نصًّا بحرمة أكل السمك الصغار وصححه؛ حيث قال: (السمك الصغار كلها مكروهة كراهة التحريم، هو الأصح) اهـ. هذا وصورة الإربيان مختلفة تمامًا عن السمك وقريبة إلى شكل السرطان وغيره من الديدان، والكلمة الفارسية "ماهي" (السمك) تطلق على غير جنس السمك أيضًا؛ كما يقال بالفارسية "ماهي سقنقور" وهو من الحيوانات البرية التي تولد على سواحل النيل، وكذلك "ريگ ماهي" أو (سمك الرمال) وهو سمندل الماء وهو حيوان لا شك في كونه من حشرات الأرض، ولا نعلم لأحدٍ مِن أئمتنا قولًا في حل الإربيان بخصوصه، وعلى افتراض كونه سمكًا فإن الذي يوجد عندنا منه صغير، فينطبق عليه تصحيح "جواهر الأخلاطي" السابق. ومهما يكن من أمر ففيه شبهة والأولى اجتناب الشُّبَه؛ خروجًا من الخلاف، والله تعالى أعلم] انتهى النقل عن "الفتاوى الرضوية".
هذه النقول التي ساقها العلامة أحمد رضا خان رحمه الله تعالى تقتضي حل الإربيان عند الحنفية، وأما ما يوهم التحريم أو نقل الخلاف فيه فلا مُعَوَّلَ عليه، ويحتاج إلى تحرير القول فيه على الوجه الآتي:
- إن ذكر الخلاف في حل الإربيان عند الحنفية غيرُ معتمَد؛ فإن صاحب "الفتاوى الحمادية" -وهو أبو الفتح ركن الدين الناكوري الحنفي- إنما نقل ذلك عن "كنز العباد"، ونصُّ عبارة "الحمادية" (ص: 778، ط. در آمد): "مِن "كنز العُبَّاد": [الدود الذي يقال له "جهينگه" حرام عند بعض العلماء؛ لأنه لا يشبه السمك، وإنما يباح عندنا مِن صيد البحر أنواعُ السمك، وهذا لا يكون مِن أنواع السمك، وقال بعضهم: حلال؛ لأنه يُسَمَّى بأسماء السمك] اهـ.
والمنقول منه هو "كنز العُبَّاد في شرح الأوراد" للشيخ علي بن أحمد الغوري، وهو شرحٌ فارسيٌّ لأوراد الشيخ العارف شهاب الدين السُّهْرَوَرْدِي؛ كما ذكر صاحب "كشف الظنون" (2/ 1517، ط. مكتبة المثنى)، وهو من الكتب غير المعتمدة عند الحنفية: [قال العلامة المحدِّث أبو الحسنات اللكنوي (ت1304هـ) في "النافع الكبير" (ص: 29، ط. إدارة القرآن والعلوم الإسلامية): ومِن الكتب غير المعتبرة... "كنز العُبَّاد"؛ فإنه مملوء من المسائل الواهية والأحاديث الموضوعة، ولا عبرة له لا عند الفقهاء ولا عند المحدثين، قال علي القاري في "طبقات الحنفية": علي بن أحمد الغوري له كتاب جمع فيه مكروهات المذهب، سماه "مفيد المستفيد"، وله "كنز العباد في شرح الأوراد"؛ قال العلامة جمال الدين المرشدي: فيه أحاديث سمجة موضوعة، لا يحل سماعها. انتهى] اهــ، وقال أيضًا في "التعليق المُمَجَّد على موطأ محمد" (1/ 613، ط. دار القلم): [وذكر بعض أصحاب الكتب غير المعتبرة كصاحب "كنز العُبّاد"] اهــ.
فإذا انضاف إلى ذلك أنه لم يَنقل هذا الخلافَ مِن الحنفية غير صاحب "كنز العُبَّاد" هذا، مع مخالفة نقله لإطلاق المتون عند متقدمي الحنفية ومتأخريهم في حل كل أنواع السمك مع عَدِّ الإربيان نوعًا من السمك من أن يُستَثْنَى مِن الحل: كان ذلك آكد لإطلاق القول بالإباحة كما أشارت إليه الفتوى، وأدعى إلى اطِّرَاحِ هذا النقل وعدم الاعتداد به.
- وأما ما يوهمه نقلُ "جواهر الأخلاطي" من تصحيح الكراهة التحريمية للسمك الصغار عند الحنفية: فغير سديد؛ إذ هو مخالفٌ لِمَا ذُكِرَ قبلَه عن صاحب "معراج الهداية" من نسبة الحُرمة فيه إلى الشافعية، ونسبة الحل إلى الحنفية وسائر الأئمة، وقد نقله أيضًا غيرُه من الحنفية؛ كالحافظ العيني في "البناية شرح الهداية" (10/ 734) وفيه تصحيف يُصَحَّح من نقل ابن عابدين، وهو على الصواب أيضًا عند العلامة التهانوي في "إعلاء السنن" (17/ 191، ط. إدارة القرآن والعلوم الإسلامية)، وهو يوافق نقل الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني"؛ حيث لم ينقل تحريم ذلك عن غير أصحاب الشافعي فقال (9/ 395، ط. مكتبة القاهرة): [ويباح أكل الجراد بما فيه، وكذلك السمك، يجوز أن يقلى من غير أن يشق بطنه، وقال أصحاب الشافعي في السمك: لا يجوز؛ لأن رجيعَه نجس] اهـ.
على أن ما نقله ابن قدامة وصاحب "معراج الهداية" عن أصحاب الإمام الشافعي مِن تحريم أكل السمك الصغار التي تُقلَى من غير أن يُشَقَّ جوفها: إنما هو أحد الوجهين عند الشافعية، والمُرَجَّحُ عندَهم الحِلُّ؛ إمَّا لطهارة رجيعه عند الإمام الروياني واحتج له غيرُه بأنه يُعْتَدُّ ببيعه، وإمَّا للمُسامحة لعُسر شقه وإخراجه عند الإمام القفال وصححه الإمام الفوراني وغيره؛ كما في "المجموع" للإمام النووي (9/ 73، ط. دار الفكر)، ورجحه الحافظ السيوطي في "الأشباه والنظائر" (1/ 433، ط. دار الكتب العلمية)، وهو المعتمد في المذهب الشافعي كما نص عليه الشيخان: العلامة ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (9/ 317، ط. المكتبة التجارية الكبرى) والعلَّامة الرملي في "نهاية المحتاج" (8/ 151، ط. دار الفكر)، والقول بالحلِّ هو ما نقله صاحب "معراج الهداية" عن سائر الأئمة.
ثم إن التحريم عند مَن قال به متعلِّقٌ بالسمك الصغار الذي يحوي في جوفه رجيعًا؛ لقولهم بنجاسة رجيعه، أمَّا إطلاقُ القول بتحريمه ولو أُخْرِجَ ما في جوفه، أو بتحريم السمك الصغار مطلَقًا حتى ما لا رجيعَ فيه كالإربيان ونحوه: فلا قائلَ به، وهو مخالفٌ لما تقرر عند الحنفية من فروعٍ مبنيةٍ على حل السمك الصغار؛ كجواز السلم فيه، بل هو مخالف للإجماع الذي نقله الحنفية وغيرهم في حل جميع أنواع السمك.
ولا يَرِدُ على ذلك أيضًا: ما ذُكِرَ مِن مشابهة الجمبري للعقرب أو الدود، وهما من حيوانات البر المحرمة؛ حيث نُقِل الاختلافُ بين الفقهاء في حكم ما كان من حيوان البحر على صورة غير المأكول من حيوان البر؛ وذلك لعدة أوجه:
أولها: أن هذا الخلاف مخصوص عند الحنفية بالسمك؛ فما كان من أنواع السمك فهو عندهم حلال حتى لو شابه ما حَرُمَ مِن حيوانات البر؛ قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/ 619): [وإنما اختُلِفَ فيما كان على صورة حيوان البر؛ كالآدمي والكلب والخنزير والثعبان: فعند الحنفية وهو قول الشافعية يحرم ما عدا السمك.. وعن الشافعية الحل مطلقًا على الأصح المنصوص وهو مذهب المالكية إلا الخنزير في رواية... وعن الشافعية ما يؤكل نظيره في البر حلال وما لا فلا واستثنوا على الأصح ما يعيش في البحر والبر] اهـ.
ثانيها: أنه لا تشابه في الحقيقة بين الجمبري والعقرب أو الدود؛ فالجمبري من طائفة القشريات، وهو معدود مِن طيبات السمك عند العرب وغيرهم وفي أعراف الناس، وهو مفيد ونافع للطعام والصحة ويُعَدُّ من أشهر المأكولات البحرية وأشهاها، وفيه فوائد عدة: حيث يحتوي على كمية كبيرة من الكالسيوم واليود والبروتين والكولسترول مع انعدام نسب الدهون المشبعة؛ فهو أيضًا مفيد للدورة الدموية.
أما العقرب فمن طائفة العنكبوتيات، ومعظم أنواعه سامٌّ، وهو مستقذَرٌ طبعًا وشرعًا وعُرفًا، بل هو من الفواسق الخمس التي صرح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتلها في الحِلِّ والحرم لِكَفِّ أذاها؛ فلكل منهما خصائص ومميزات تجعله مختلفًا تمام الاختلاف عن الآخر، وإن ادُّعِيَ التشابهُ الظاهريُّ بين بعض أنواعهما، وكذلك الحالُ في الدُّود؛ فإنه مُستَقْذَرٌ كذلك، وما يكون من التشابه الظاهري بينه وبين الجمبري لا يُنْبِئُ عن أي مشابهة حقيقية بينهما في الخصائص أو المميزات.
ثالثها: أن العبرة في التحريم -عند من قال به- ليست مطلق المشابهة في الصورة، بل التوافق في الصفات والخصائص المقتضية للتحريم؛ فالمارماهي -وهو ثعبان البحر- حلال عند الحنفية، ولا يخرجه عن الحل مجردُ المشابهة الصورية لثعبان البر؛ قال العلامة شيخي زاده المعروف بداماد أفندي الحنفي في "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" (2/ 514، ط. دار إحياء التراث العربي): [(كالجِرِّيث) بكسر الجيم وتشديد الراء: نوع من السمك غير المارماهي (والمارماهي) وإنما أفردهما بالذكر لمكان الخفاء في كونهما من جنس السمك، ولمكان الخلاف فيهما لمحمد، ذكره صاحب "المغرب"، وما قيل أن الجِرِّيث كان دَيُّوثًا يدعو الناس إلى حليلته فمسخ الله تعالى به فممنوع؛ لأن الممسوخ لا نسل له ولا يقع باقيًا بعد ثلاثة أيام، وإن المارماهي متولد من الحية ليس بواقع، بل هو جنسٌ شبيهٌ بها صورةً] اهـ.
لهذا كله كان التحقيق عند الحنفية: حل الإربيان بلا خلاف، وهو الذي نص عليه العلامة المحدِّث ظفر أحمد العثماني التهانوي الحنفي (ت1394هـ) في كتابه الحافل "إعلاء السنن" (17/ 188)؛ حيث قال: [... (وفي "الدر المختار" مع "الشامية": ولا يحل حيوانٌ مائي إلا السمك غير الطافي، وإلا الجِرِّيث؛ سمكٌ أسود، والمارماهي؛ سمكٌ في صورة الحية، أفرَدَهما بالذكر؛ للخفاء، أي: لخفاء كونهما من جنس السمك، وخلاف محمد، قال في "الدرر": وهو ضعيف (5/ 300)، وفيه ما يشعر بكون الجريث غير المارماهي، وفي "حياة الحيوان": الجِرِّيث هو هذا السمك الذي يشبه الثعبان، ويقال له أيضًا: الجري، وهو نوعٌ من السمك يشبه الحية، ويسمى بالفارسية: مارماهي، وحكمه الحل. قال البغوي: إن الجريث حلالٌ بالاتفاق، والمراد: هذه الثعابين التي لا تعيش إلا في الماء، وأما الحيات التي تعيش في البر والبحر فتلك من ذوات السموم، وأكلها حرام) اهـ (1/ 177). وبالجملة فكل ما كان من جنس السمك لغةً وعرفًا فهو حلالٌ بلا خلاف؛ كالسقنقور والروبيان ونحوهما، والله تعالى أعلم بالصواب] اهـ.
وأما الإفتاء بأولوية تركه اجتنابًا لشبهة الخلاف فيه: فهو إنما يتفرع على ثبوت الخلاف، وقد ذكرنا أن نقل الخلاف فيه غيرُ معتمد، كما أن المفتَى به عند السادة الحنفية منذ قرون متطاولة: أنه لا يُفْتَى بالأورع أو الأحوط؛ لأن الزمانَ لم يَعُدْ زمانَ اجتناب الشبهات، قال العلامة برهان الدين محمود بن مازه الحنفي (ت616هـ) في "المحيط" (5/ 499، ط. دار الكتب العلمية): [رُوِيَ عن علي بن إبراهيم أنه سُئِل عن هذه الشبهات، فقال: ليس هذا زمانَ الشبهات؛ اتق الحرام عيانًا؛ بمعنى: إن اجتنبت عن غير الحرام كفاك]اهـ، والمحكيُّ عنه هو العلامة الفقيه المفتي أبو الحسن علي بن إبراهيم بن نصرويه السمرقندي (ت441هـ)؛ كما ترجمه الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (17/ 604، ط. الرسالة).
وقال العلامة قاضيخان (ت592هـ) في "فتاواه" (3/ 402، المطبوعة بهامش "الفتاوى الهندية"، ط. الأميرية 1310هـ): [ليس زمانُنا زمانَ الشبهات؛ فعلى المسلم أن يتقيَ الحرامَ المُعايَن] اهـ.
وقال العلامة الشيخ خليل النحلاوي الشيباني الحنفي (ت1350هـ) في "الدرر المُباحة في الحظر والإباحة" (ص: 80): [الورعُ من تناول الشبهات في الحلال والحرام ليس كالورع في أمر الطهارة والنجاسة، بل هو أهمُّ في الدين، وهو سيرةِ السلف الصالحين، ولكن في زماننا هذا لا يمكن ذلك الورعُ من الشبهات في الحلال والحرام، بل لا يمكن الأخذُ بالقول الأحوط في الفتوى] اهـ.
وقال الشيخ محمد سعيد البرهاني الداغستاني (ت1386هـ) في التعليق على "الدرر المباحة" (ص: 80) بعد أن ساق النقل السابق عن "فتاوى قاضي خان": [وكذا صاحب "الهداية"، وزمانُهما قبل ستمائة سنة من الهجرة النبوية، ولا خفاء أنّ الفساد والتغيّر يزيدان بزيادة الزمن؛ لبعده عن عهد النبوة، فالورع والتقوى في زماننا: في حفظ القلب واللسان وسائر الأعضاء، والتحرز عن الظلم وإيذاء الغير بغير حق] اهـ.
على أن بعض الناس قد يترك أكلَ الإربيان -ومثلُه الجراد- على سبيل التقذُّر واجتناب غير المألوف من الطعام لا على جهة التورع؛ كما ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكل الضَّب والأرنب وغيرهما مع إقراره الجواز، وقد نقل أبو الطيب الوشَّاء (ت325هـ) في "المُوَشَّى" في أوصاف الظُّرَفاء (ص: 169، ط. مكتبة الخانجي): [ولا يأكلون الجراد والإرْبيان؛ لعلة شبههما بالأشياء القبيحة مِن الحيوان] اهـ.
على ذلك فالإربيان (الجمبري) حلالٌ عند جميع الفقهاء، ومنهم السادة الحنفية، والصحيح أنه لا خلاف في ذلك عندهم؛ لاتفاق أهل اللغة وغيرهم على أنه نوع من السمك، وكل أنواع السمك وأصنافه حلال بالإجماع.
والله سبحانه وتعالى أعلم.