ما حكم استخدام الشعارات السياسية في الحج؟ فهناك تيارات تدعو إلى رفع بعض الشعارات السياسية أثناء اجتماع الناس في عرفة بغرض توزيعها بين الحجاج المصريين وغيرهم لرفع تلك الشعارات في المناسك، مؤكدين أنهم لن يهتفوا بأي هتافات سياسية بخلاف التلبية والدعاء؟
توزيع الشعارات السياسية ورفع اللافتات الحزبية وعمل المظاهرات في مناسك الحج أمرٌ محرمٌ شرعًا، بل هو كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وبدعةٌ من بدع الضلالة؛ لأنه مدعاةٌ للفرقة والتنازع والجدال والتكالب على الدنيا، وكل ذلك منافٍ لمقصود الاجتماع والوحدة وإخلاص العبادة لله، وفيه استحداثُ أحوالٍ في العبادة لم يأذن بها الله تعالى مناقضة لمقصودها -أي مقصود العبادة-، كما أن فيه استخفافًا بالشعائر الدينية في استغلالها لقضاء المصالح الدنيوية، وتلبيسًا على الناس، وتشبهًا بالخوارج في نقل الحراك المجتمعي والرأي السياسي إلى دائرة الإيمان والكفر، وإلهاءً للحجيج عن واجب وقتهم وهو ذكر الله تعالى وإقامة المناسك على الوجه المَرْضِيِّ، وإثارةً للضغائن والأحقاد والنزاعات التي تشغل الحاج عن روح العبادة، وإلحادًا وإحداثًا وفتنة في الحرم بما تجر إليه أمثال هذه الشعارات والتظاهرات من فوضى وتراشقٍ وتنازعٍ بل وتقاتل في بعض الأحيان، كما أن في هذه الشعارات فسقًا وجدالًا مسقطين للأجر والثواب مستوجبَيْنِ للتعزير والعقاب، والسماح بمثل هذه الشعارات والتظاهرات فيه فتحٌ لأبواب الشر والفتنة، وذريعةٌ لاحتشاد أهل الفرق والأهواء وأصحاب البِدَع في مناسك الحج بدعوى نصرة الحق ومحاربة الباطل، فالامتناع من توزيعها أو رفعها أو التظاهر بها أمرٌ واجبٌ شرعًا، وطاعة ولي الأمر في ذلك متعيّنة؛ حيث إن الشريعة أناطت رعاية الحج بولي الأمر، وأوجبت على الحجاج طاعته في غير المعصية، وجعلت له الحق في أن يتخذ من الإجراءات والتنظيمات، ويقنن من التعزيرات والعقوبات، ما يحافظ به على أمن الحجيج وسلامتهم، ويرعى به شئونهم ومصالحهم، ومخالفة ولي الأمر افتياتٌ عليه، والافتيات عليه أمرٌ محرمٌ شرعًا.
المحتويات
الشعارات السياسية هي علامات رمزية أو كتابية تُرفع وتُبرَزُ للتعبير عن رأي سياسي، أو فكرة حزبية، أو لتأييد حزب سياسي معين، أو جماعة طائفية أو فرقة أيديولوجية أو عقائدية.
والمقصود بالسياسة التي جاءت نسبةُ هذه الشعارات إليها: هو السياسة الحزبية التي تسعى نحو التنافس على القيادة وادِّعاء الأفضلية للحكم والانتصار لأفكار الحزب وأيديولوجية الجماعة، مع رمي الخصم السياسي بالفشل وعدم القدرة على الحكم وانعدام الأهلية للصدارة المجتمعية، وتسفيه الأفكار والآراء الأخرى المقابلة؛ في جو من التنافس الذي يعمل فيه كل فريق بإصرار شديد وجهد جهيد على البقاء في الساحة الوطنية: مكانًا ومكانةً، وفكرًا وتأثيرًا، وليس المقصود بها هنا: محض السياسة الشرعية التي تسعى في إصلاح الراعي والرعية؛ من حفظ الثغور، وحماية البيضة، وتوفير الأمن المجتمعي، وجمع الشمل، والعدل بين الناس، والنصيحة للحاكم والمحكوم، والنظر السديد في مصالح الدين والدنيا.
والشعارات السياسية بهذا التفسير هي شكلٌ من أشكال التعبير عن الرأي السياسي، ولونٌ من ألوان الحراك المجتمعي، وإن لم يصاحبها هتاف معين؛ لأنها تدل على معنى معين متواضَعٍ مصطلَحٍ عليه؛ فدلالتها دلالة وضعية اصطلاحية، وهي وسيلة تعبير وأداة يُتوَصَّل بها إلى غرض سياسي، والوسائل لها أحكام المقاصد؛ فإن أريد بها التوصل إلى حرام فهي محرمة، وإن أريدت لتحقيق غرض مباح فهي مباحة... وهكذا، وذلك كله منوطٌ بأن لا تخرج عن القيم الأخلاقية التي تحكم سلوك الإنسان مع غيره، وأن تحافظ على الأطر والآداب والأعراف العامة التي تحترم خصوصية المجتمعات وطرق الإصلاح الشرعية فيها، وأن تُراعِيَ القوانين واللوائح المنظمة لهذا النوع من الممارسات السياسية، فإن خرجت عن شيء من ذلك صارت في حيز الممنوع شرعًا.
هذه الطبيعة للشعارات السياسية تجعلها منافية ومناقضة لمقصود العبادات الجماعية؛ كالحج وصلاة الجماعة والجمعة والعيدين ونحوها؛ لأن المقصود الشرعي لتلك العبادات: أنها تجمع المسلمين تحت اسم الإسلام لا غير، فإذا أريد الاجتماع لها على معانٍ أو شعارات أخرى غير الانتساب للدين الإسلامي والملة المحمدية على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات كان الاجتماع باطلا منافيًا لمقصد الإسلام فيها؛ ومن أجل ذلك منعت الشريعة كل المظاهر التي من شأنها بث الفرقة والشحناء في العبادات التي شرعت للجماعة والتوحد والإخاء:
- فحرم الله تعالى الصلاة في مساجد الضرار؛ لأنها أُقيمَت على خلاف مقصود جمع المسلمين من حيث هم مسلمون؛ حيث يقول سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۞ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: 107-108].
قال الإمام الجصاص الحنفي في "أحكام القرآن" (3/ 201، ط. دار الكتب العلمية): [إنما كان مرادُهم التفريقَ بين المؤمنين، وأن يتحزَّبوا فيصلي حزبٌ في مسجد وحزبٌ في مسجد آخرَ؛ لتختلف الكلمةُ وتَبطُل الألفةُ والحالُ الجامعة] اهـ.
وقال الإمام التقي السبكي الشافعي في "فتاواه" (1/ 175، ط. دار المعرفة): [التفريق بين المؤمنين من أضر شيء يكون، فالاجتماع داعٍ إلى اتفاق كلمة المسلمين.. فانظر إلى قوله تعالى: ﴿وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 107] كيف جعله من الصفات المقتضية لهدم مسجد الضرار!] اهـ.
- ونص الفقهاء على بطلان صلاة الجمعة إذا اقتصر حضورها على فئة بعينها ومُنِع منها سائرُ المسلمين، قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (2/ 25، ط. دار المعرفة): [والإذن العام من شرائطها؛ حتى إن السلطان إذا صلى بحشمه في قصره: فإن فتح باب القصر وأذن للناس إذنًا عامًّا جازت صلاته؛ شهدها العامة أو لم يشهدوها، وإن لم يفتح باب قصره ولم يأذن لهم في الدخول لا يجزئه] اهـ.
وقال العلامة ابن مازه الحنفي في "المحيط" (2/ 85، ط. دار الكتب العلمية): [والشرط السادس: الإذن العام، وهو أن تفتتح أبواب الجامع، ويؤذن للناس كافة، حتى إن جماعةً لو اجتمعوا في الجامع وأغلقوا الأبواب على أنفسهم وجمَّعوا لم يجزئهم ذلك] اهـ.
وهذا كله يبين منافاة تلك الشعارات لمقصود الاجتماع في العبادات؛ ولذلك فإن رفع أمثال تلك الشعارات في مناسك الحج معصية وحرام شرعًا، بل هي من كبائر الذنوب، التي توعدت الشريعة فاعلها باللعن والعذاب الأليم، وفاعل ذلك آثم ومتعرض لعذاب الله تعالى وغضبه وعقابه؛ وذلك لما يأتي:
- أن الدعوة لتوزيع هذه الشعارات والوقوف بها في مناسك الحج ومشاعره يناقض إخلاص العبادة لله تعالى؛ فإن الإسلام قد حرص كل الحرص على أن تكون هذه الشعيرة خالصة لله تعالى لا تشوب نيتَها شائبة؛ فقد أمر الله تعالى بإتمام العمرة والحج له وحده؛ فقال سبحانه: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196]؛ فجعل الحج له وحده، وفي الذهاب إلى الحج بقصد نشر تلك الشعارات والوقوف بتلك اللافتات للإعلان عن موقف سياسي معين واستقطاب الحجيج لمناصرته: تضييعٌ لمقصد الإخلاص في هذا الركن العظيم، كما أنَّ استخدام المقدسات الدينية في المصالح الدنيوية متعارضٌ مع ما أقام الله عليه هذه الشعيرة من الزهد في الدنيا والتجرد من الأغراض المادية والعادات المألوفة؛ بحيث يلبس المحرم الإزار والرداء، ويمتنع عليه لبس المخيط، والسراويل، والعمامة، والقفازين، والخفين، وتغطية الوجه والرأس، والترفه بالطيب والنساء، وغير ذلك من المألوفات التي تدل على التجرد من الدنيا وتخليص النية مما سوى الله تعالى.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي في "جزئه في إحداث الجمعة بمدرسة ابن سويد" (ق: 2أ، مخطوط بالمكتبة الأزهرية): [فالذي يريد في أمرٍ دينيٍّ ترويجَ الأمرِ الدنيويِّ -من الرياء والسمعة والمباهاة والأنَفَة مِن أن يقال بطل عملُه أو عمِل ما لا يجوز ونحو ذلك- ينبغي أن لا يُلتَفَتَ إليه ولا يُعمَل بهواه في ذلك] اهـ.
- وفي نشر هذه الشعارات في المشاعر والمناسك إساءة لهذه الفريضة الإسلامية، واستغلالٌ لشعائر الله تعالى وشرائعه في الأغراض السياسية والمآرب الحزبية والتطلعات الطائفية التي لا تليق بمكانتها وقدسيتها، وهذا ينافي تعظيمها الذي أمر الله تعالى به في قوله سبحانه: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]؛ فإن وحدة الحج في مظهره ومخبره أعظم من أي فُرقة وخلاف وتنازع، وعلى العبد المسلم أن يحترم قدسيته فينأى بمناسكه ومشاعره عن كل ما من شأنه أن يخدش تعظيمها أو يضعف في النفوس قدسيتها، ويجعل من شعائره المعظمة منتهًى تنتهي عنده النزاعات والأهواء، وجبلًا تتكسر على سفحه الأغراض والمصالح التي تناقض مقصود الحج، وسدًّا يحول دون المآرب والأطماع التي تشوش على الناس حجهم، وعلى الحجاج أن يخلعوا على عتباتها انتماءاتهم المذهبية والحزبية والإقليمية والعرقية، ويتفرغوا للتضرع إلى الله تعالى وذكره وأداء المناسك على الوجه المرضي.
- وفي جعل الحج مثارًا للخلافات السياسية والشعارات الحزبية نقلٌ لها من حيز الرأي إلى حيز الدين؛ فتتحول بذلك الآراءَ والأفكار والانتماءات من دائرة الخلاف السياسي والحراك المجتمعي القابل للنقاش والأخذ والرد إلى دائرة الإيمان والكفر، والطاعة والفسق، وهذا المدخل هو بداية ضلالة الخوارج الذين عمدوا إلى الآيات التي نزلت في الكفار فجعلوها في المسلمين، كما وصفهم بذلك الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فيما علقه الإمام البخاري في "صحيحه"، ووصله ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" بسند صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (12/ 286، ط. دار المعرفة)، فتلبس الخلافات السياسية لباس المصطلحات الدينية؛ كنصرة الحق، والثأر من الظالمين، والوقوف مع المظلومين.. إلى غير ذلك مما يحسن لفظه ويلتبس معناه، ويتخذ أصحابه موقف الخصم والحكم في آنٍ واحد؛ فيحصل التلبيس على الخلق والتدليس على البسطاء، وهذا المسلك في الخلط بين الدوائر والتخبط في الحكم على الأشخاص والأفعال والمواقف قد أباه الصحابة وأعلنوا رفضهم له؛ فروى الإمام أحمد والبخاري في "صحيحه" عن سعيد بن جُبَيْر رحمه الله قال: خرج علينا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فرجونا أن يحدثنا حديثا حسنًا، فبادرَنا إليه رجلٌ، فقال: يا أبا عبد الرحمن! حدِّثْنا عن القتال في الفتنة، واللهُ يقول: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: 193]. فقال: "هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك! إنما كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول في دينهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك".
- كما أن رفع هذه الشعارات في المناسك فيه إثارة للخلافات السياسية والنعرات الطائفية في هذه الشعيرة المباركة، وهذا مُنافٍ ومُناقضٌ للمقصود الأصلي للحج، ومفسدٌ لهذا الركن العظيم من أركان الإسلام؛ حيث إن الحج هو أكبر شعيرة إسلامية أراد الله تعالى أن تحتشد لها حشود المسلمين وتجتمع فيها كلمتهم؛ ليكونوا أمة واحدة كما وصفهم الله تعالى؛ إذ تتجلى في مناسكها الوحدةُ الدينية في أعظم مظاهرها؛ فقد وحّد الله تعالى أماكن المناسك، ومواقيتها، وأزمنتها، وهيئاتها، وجعل التلبية شعار الحجاج يلهجون به في كل مكان وزمان، وشرع لهم التخلي عن مظاهر التميز؛ فجعلت الشريعة ملابس الإحرام على هيئة واحدة، لا فرق فيها بين كبير وصغير، ولا بين أمير وفقير؛ لتكتمل الوحدة في المكان والزمان والهيئة والحال، ويتجلى الاجتماع في أبهى صُوَرِه ومعانيه، وتنصهر بين المسلمين المعاني المفرقة؛ من فوارق اللون والعرقية والإقليمية والمذهبية والانتماءات السياسية، لتصبح العقيدة الإسلامية والرابطة المحمدية هي المعنى الجامع بينهم شكلًا ومضمونًا.
- وتوزيع هذه الشعارات السياسية ورفعُها في الحج هو مدعاةٌ للجدال المحرم شرعًا في الحج؛ فقد يعارضها أكثر المسلمين، وإذا وُزِّعَت أمثال هذه الشعارات حصل القيل والقال وكثر الحديث والجدال، وقست القلوب، وانتهض الناس لانتقادها والرد عليها، وسعوا في رفع الشعارات المضادة لها؛ فتصير المناسك محلًّا للجدال والخلاف والتنازع والترامي بالتهم والخصومات والأحقاد التي لا يرضاها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويقع الحُجّاج فيما نهى عنه الله تعالى من الجدال المحرم في الحج؛ حيث يقول جل شأنه: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجّ﴾ [البقرة: 197]، وقد نهى الله عن الجدال في الحج حتى مع غير المؤمنين، وأرشد حبيبَه ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى عدم التنازع مع المجادلين، وقلة الاكتراث بالمجادلة في أحوال الحج ومناسكه؛ فقال جل شأنه: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ ۞ وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ۞ اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [الحج: 67-69].
- كما أن نصب الشعارات السياسية وتسيير المظاهرات الحزبية أو الطائفية لا يعدو أن يكون سبيلًا لإشاعة الفوضى والهرج والمرج في الأماكن المقدسة، وعبثًا بأمن الحج، وإثارةً للفتنة في مناسك الحج، وهذا كلُّه من الإلحاد في بيت الله تعالى، والإحداث في حرمه، والإفساد لشعائر دينه؛ فإن الله تعالى شاء أن تنعم البلاد التي تقام فيها شعيرة الحج بالأمن والسلام حتى يشعر الحجاج بالأمن الروحي فيؤدوا حجهم في روحانية وخشوع وسكينة تحقق مقاصده الشرعية، والرأي إذا تعدى دائرة القول والمباحثة إلى دائرة الفعل والممارسة كان مظنة التراشق والتهارج بل والاشتباك والمقاتلة، فإذا كان ذلك في الأماكن المقدسة فهو إحداث وإلحاد وتخريب وإفساد، والمتسبب في ذلك مرتكب لكبائر الذنوب المستوجبة لغضب الله تعالى ولعنته وعقابه وأليم عذابه، وقد توعد الله تعالى مجرد العزم على الإلحاد في حرمه بقوله: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: 25]، فكيف بمن سعى بممارساته السيئة إلى إيقاظ الفتن وإشاعة الفوضى، وقد لعن الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم مَن أحدث في حرمه أو آوى فيه مُحْدِثًا؛ فعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ» رواه البخاري ومسلم وغيرهما. ومكة صنو المدينة، بل هي حرم الله تعالى لدى الأنبياء والرسل جميعًا.
- أن شغل الناس بتوزيع هذه الشعارات ونصبها على رؤوسهم وتجمعاتهم ولفت أنظارهم إليها: هو تصدية لهم عن العبادة، وصرفٌ لهم عن واجب الوقت ومقصود الشعيرة، وإلهاء لهم عن ذكر الله تعالى الذي جُعِلَتْ مناسكُ الحج لإقامته؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّمَا جُعِلَ رَمْيُ الْجِمَارِ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ لَا لِغَيْرِهِ» أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي وصححه، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك" واللفظ له وقال: صحيح الإسناد، ومثل هذه الشعارات ستثير حالة من الاستياء والضغائن السياسية لدى الحجيج؛ بما يُعكِّر عليهم صفوهم الروحي ويفسد استمتاعهم بأسرار الحج وجمال المشاعر ويضيع حلاوة الذكر ويشوش على الأرواح ويورث قسوة للقلوب؛ بما يحصل من الجدال وكثرة الكلام فيما لا يعني الحاج من أمور الدنيا والملك وأحوال السياسة الحزبية، وقد توعد الله تعالى بالعذاب مَن جعلوا مِن شأنهم التشويشَ على المسلمين في عبادتهم وصدَّهم عن ذكر الله تعالى فيها؛ فقال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [الأنفال: 35].
- أن الدعوة إلى هذه الشعارات في موقف عرفة مكانًا ويوم عرفة زمانًا بدعةٌ في الدين مردودة، وتشريعٌ بما لم يأذن به الله تعالى، وتعطيلٌ للسنن الثابتة، وهدم لمقاصد الحج الشرعية؛ فإن استغلال الحج لرفع الشعارات وتسيير المظاهرات استحداثٌ لأمر لم يشرعه الله تعالى فيه ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مناسك الحج ومشاهده، وقد نقل الصحابة عنه حجة الوداع على التفصيل، وهو القائل فيها صلى الله عليه وآله وسلم: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» أخرجه بلفظه الطبرانيُّ في "مسند الشاميين" والبيهقي في "السنن الكبرى" وأصله عند أحمد ومسلم، ولم يفعل ذلك الصحابةُ ولا التابعون، ولا السلف الصالحون، بل ولا تشهد لتلك الأفعال أحكامُ الشريعة الجزئية ولا مقاصدها الكلية، بل الشريعة قد عظمت عرفة زمانًا ومكانًا وحالًا، فعظمت يوم عرفة وجعلته خير أيام العام؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلَ عِنْدَ اللهِ مِن يَوْمِ عَرَفَةَ» أخرجه ابن خزيمة وابن حبان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ فجاء هؤلاء يريدون الاستخفاف بفضله وقيمة زمنه ويجعلونه وقتًا لإثارة الأهواء السياسية والنزاعات الطائفية، وعظمت الشريعة الدعاء فيه وجعلته خير الدعاء؛ حيث يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَة» أخرجه الترمذي وغيره، ليأتي أولئك فيشغلوا الخلق عن دعاء الخالق والتضرع إليه ويتخذوه مثارًا للقيل والقال والنزاع والجدال، وجعلت الشريعة الوقوفَ بذلك المكان المبارك أهم أركان الحج؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَة»، لا ليَنْصِبَ الناسُ على أرضها شعاراتِهم الحزبية ويستغلوا حرمتَها لأهوائهم السياسية؛ فيحصل الاستخفاف بهذا الركن العظيم والتهاون بتعظيم ما عظمه الله تعالى من زمانه وموضعه وحال الناس فيه، وجعلت الشريعة وقت عرفة وموضعَها مُتَنَزَّلًا لإكمال الدين وإتمام النعمة، لا ليزيد أهلُ الأهواء فيها ما ليس منها من رفع الكتابات والشعارات والدعوة إلى الأحزاب والجماعات، إلى غير ذلك من بدع الضلالة التي تدخل في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي رواية لمسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، وأصحابُ هذه الممارسات والشعارات يسنون بأفعالهم هذه سنة سيئة مرذولة يحملون وزرَها ووزرَ مَن عمل بها إلى يوم القيامة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» أخرجه الإمام أحمد ومسلم وغيرهما من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
- أن السماح بمثل هذه الشعارات السياسية في شعائر الحج تحت دعوى حرية الرأي أو التعبير يفتح أبوابًا لا تنغلق من الشر والفساد، ويُعطِي الذرائع لأصحاب الفِرَق والمذاهب الضالة في أن يحتشدوا ويتظاهروا في المناسك كما يشاؤون، وسوف يصير تُكَأَةً لأصحاب الأغراض والأفكار والأحزاب والجماعات في استغلال المشاعر في الدعوة إلى ما يريدون، وحينئذ يمسي موسم الحج ملعبًا للأهواء الحزبية، ومسرحًا للفعاليات والأنشطة السياسية، وسُوقًا للنزاعات المذهبية والنعرات القومية والإقليمية، وإذا سُمِح بذلك شاعت الفوضى في المناسك، ورجع الناس منها باختلافاتهم ونزاعاتهم إلى بلدانهم بدلًا من أن يرجعوا بمعاني الإخاء والوحدة والتعاون والحب.
- وعلى ضوء ما سبق: فإن مثل هذه الأفعال السيئة والممارسات البدعية من أشد ضروب الفسوق الذي نهت عنه الشريعة وجعلت الامتناع عنه شرطًا من شروط المغفرة في الحج؛ فالله تعالى يقول: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجّ﴾ [البقرة: 197]، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
- فإذا انضاف إلى ذلك أن ولي الأمر الذي أقامه الله تعالى في خدمة الحرمين والأماكن المقدسة ورعاية شئون الحجيج وتنظيم أمر الحج والمناسك قد أصدر قرارًا بمنع مثل هذه الشعارات والمظاهرات في مناسك الحج؛ توزيعًا ودعوة وتظاهرًا ووقوفًا؛ حماية للحجاج وحفظًا للفريضة، فإن طاعته في الامتناع عن ذلك واجبة شرعًا؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم﴾ [النساء: 59]، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «السَّمعُ والطّاعةُ على المَرءِ المُسلِمِ فيما أَحَبَّ وكَرِهَ ما لم يُؤمَر بمَعصِيةٍ، فإذا أُمِرَ بمَعصِيةٍ فلَا سَمعَ ولَا طاعةَ» أخرجه الستة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ فإن طاعة أولي الأمر سبب لاجتماع الكلمة وانتظام المعاش؛ إذ لا بد للناس مِن مَرجِع يأتمرون بأمره رفعًا للنِّزاع والشقاق، وإلا لَعَمَّت الفوضى ودخل على الناس فسادٌ عظيم في دينهم ودنياهم، والإجماع منعقد على ذلك.
- ولا ريب أن الاستمرار في الإعداد لهذه الشعارات والدعوة إلى توزيعها والتظاهر بها بعد صدور قرار المنع يُعَدُّ افتياتًا على الحاكم، وفسوقًا مُذهبًا للأجر والثواب، مُستوجبًا للتعزير والعقاب؛ فقد خوَّلت الشريعة لولي الأمر القيام بالإجراءات التنظيمية والعقوبات التعزيرية التي تكفل حفظ النظام واستتباب الأمن وردع الساعين بالفساد؛ ولذلك فإن العقوبة التي قررتها السلطات السعودية على من خالف هذا القرار بالحبس والترحيل وعدم السماح بدخول الأماكن المقدسة مرة أخرى هي عقوبة تعزيرية جعلتها الشريعة من سلطة ولي الأمر شرعًا؛ فقد تقرر في القواعد الفقهية أنّ لولي الأمر أن يَسُنّ مِن التنظيمات واللوائح والعقوبات التعزيرية ما يراه محققًا لمصالح العباد وسادًّا لذريعة الفساد، وتَصَرُّفه على الرعية مَنُوطٌ بالمصلحة، ومَن دخل إلى البلاد المقدسة فعليه الالتزامُ بقوانينها، وتحرم عليه المخالفةُ.
- وقد أناطت الشريعة شعيرة الحج بنظر ولي الأمر؛ فمضت السُّنّة من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين بتولية الولاة على الحجيج؛ فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه على الحج بعد فتح مكة، وعلى ذلك جرت سُنّةُ الحج في المسلمين جيلًا بعد جيلٍ إلى يوم الناس هذا؛ أن لا يخلو الحج كلَّ عام من إمام أو نائب عنه يكون واليًا على الحجيج، وأوجبت الشريعةُ عليهم طاعتَه في تنظيم المقام بالمناسك والذهاب إلى المشاعر والنفرة منها ورعاية شئون الحج؛ وذلك كله لأجل تحقيق مقاصد الجماعة والوحدة والأمن والسلامة والطمأنينة في شعيرة الحج، وحسمًا لمادة التنازع والفساد التي تزداد مَظِنَّتُها في مثل هذه الجموع الحاشدة:
فنقل الإمام القرطبي في أحكام القرآن (5/ 259، ط. دار الكتب المصرية) عن الإمام سهل بن عبد الله التُّستري رحمه الله تعالى أنه قال: [أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكاييل والأوزان، والأحكام، والحج، والجمعة، والعيدين، والجهاد] اهـ.
وقال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني الشافعي في كتابه "غياث الأمم في التياث الظُّلَم" المعروف بـ"الغياثي" (ص: 146-147، ط. دار الدعوة):
[فإن قيل: ما وجه ارتباط العبادات بنظر الإمام؟
قلنا: ما كان منها شعارا ظاهرًا في الإسلام تعلَّق به نظرُ الإمام؛ وذلك ينقسم إلى: ما يرتبط باجتماع عدد كبير، وجم غفير؛ كالجُمَعِ والأعياد ومجامع الحجيج، وإلى ما لا يتعلق باجتماع؛ كالأذان وعقد الجماعات فيما عدا الجمعة من الصلوات.
فأما ما يتعلق بشهود جمع كبير: فلا ينبغي للإمام أن يغفُل عنه؛ فإن الناس إذا كثُروا عظُم الزحام، وجمع المجمع أخيافًا، وألف أصنافًا، خيف في مُزدحَم القوم أمورٌ محذورةٌ، فإذا كان منهم ذو نجدة وبأسٍ يَكُفُّ عاديةً إنْ همَّ بها معتدون كان الجمع محروسًا، ودرأت هيبة الوالي ظنونا وحدوسا؛ ولذلك أمَّر رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد فتح مكة أبا بكر رضي الله عنه على الحجيج، ثم استمرت تلك السُّنّةُ في كل سَنَةٍ، فلم يَخْلُ حجٌّ عن إمام، أو مُستَنابٍ مِن جهة إمام؛ ولذلك صدر الخلفاء مياسير الأمراء وذوي الألوية بإقامة الجُمَع؛ فإنها تجمع الجماعات، وهي إن لم تُصَنْ عُرضةُ الفتن والآفات] اهـ.
- وقد نص الفقهاء في كتب السياسة الشرعية -كالإمام الماوردي الشافعي (ص: 172، ط. دار الحديث)، وتبعه الإمام أبو يعلى الحنبلي (ص: 108، ط. دار الكتب العلمية)، في كتابيهما في "الأحكام السلطانية"- على أن شعيرة الحج عليها ولايتان: ولاية تسيير الحجاج من بلادهم، وولاية إقامة الحج في الأماكن المقدسة، وهذا يقتضي أنه يجب على الحجاج طاعة الولاة فيهما حِلًّا وترحالًا؛ حتى يستقيم نظام الحج وشأن الحجيج.
فأما ولاية التسيير فتتمثل اليوم في الوزارات المنظمة لشئون الحج والبعثات الحكومية والمدنية المنبثقة عنها، وأما ولاية إقامة الحج فتتمثل في حكومة خادم الحرمين الشريفين التي ترعى شئون الحج والحجيج، وقد اجتمعت الولايتان على منع توزيع هذه الشعارات والضرب على يد الداعين إلى التظاهر والوقوف بها في مناسك الحج، فوجب الامتناع عنها شرعًا.
بناءً على ذلك: فإن توزيع الشعارات السياسية ورفع اللافتات الحزبية وعمل المظاهرات في مناسك الحج هو أمرٌ محرمٌ شرعًا، بل هو كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وبدعةٌ من بدع الضلالة؛ لأنه مدعاةٌ للفرقة والتنازع والجدال والتكالب على الدنيا، وكل ذلك منافٍ لمقصود الاجتماع والوحدة وإخلاص العبادة لله، وفيه استحداثُ أحوالٍ في العبادة لم يأذن بها الله تعالى مناقضة لمقصودها -أي مقصود العبادة-، كما أن فيه استخفافًا بالشعائر الدينية في استغلالها لقضاء المصالح الدنيوية، وتلبيسًا على الناس، وتشبهًا بالخوارج في نقل الحراك المجتمعي والرأي السياسي إلى دائرة الإيمان والكفر، وإلهاءً للحجيج عن واجب وقتهم وهو ذكر الله تعالى وإقامة المناسك على الوجه المَرْضِيِّ، وإثارةً للضغائن والأحقاد والنزاعات التي تشغل الحاج عن روح العبادة، وإلحادًا وإحداثًا وفتنة في الحرم بما تجر إليه أمثال هذه الشعارات والتظاهرات من فوضى وتراشقٍ وتنازعٍ بل وتقاتل في بعض الأحيان، كما أن في هذه الشعارات فسقًا وجدالًا مسقطين للأجر والثواب مستوجبَيْنِ للتعزير والعقاب، والسماح بمثل هذه الشعارات والتظاهرات فيه فتحٌ لأبواب الشر والفتنة، وذريعةٌ لاحتشاد أهل الفرق والأهواء وأصحاب البِدَع في مناسك الحج بدعوى نصرة الحق ومحاربة الباطل، فالامتناع من توزيعها أو رفعها أو التظاهر بها أمرٌ واجبٌ شرعًا، وطاعة ولي الأمر في ذلك متعيّنة؛ حيث إن الشريعة أناطت رعاية الحج بولي الأمر، وأوجبت على الحجاج طاعته في غير المعصية، وجعلت له الحق في أن يتخذ من الإجراءات والتنظيمات، ويقنن من التعزيرات والعقوبات، ما يحافظ به على أمن الحجيج وسلامتهم، ويرعى به شئونهم ومصالحهم، ومخالفة ولي الأمر افتياتٌ عليه، والافتيات عليه أمرٌ محرمٌ شرعًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.