أنا امرأة متزوجة؛ فهل يجوز لي تهذيب الحاجبين؟
يجوز شرعًا للزوجة أن تأخذ من شعر حاجبيها بإذن زوجها، ولا حرج عليها في ذلك، بل هو مستحبٌّ في حقها وتثاب عليها ما دامت تبتغي من ذلك التجمل والتزين للزوج وحسن معاشرته؛ لأنه من الزينة المأمورة بها شرعًا لزوجها، وقد روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت لمن سألتها عن الحفاف -وهو حف شعر الوجه بما في ذلك شعر الحاجبين-: "إِنْ كَانَ لَكِ زَوْجٌ فَاسْتَطَعْتِ أَنَّ تَنْزِعِي مُقْلَتَيكِ فَتَصْنَعِيهِمَا أَحْسَنَ مِمَّا هُمَا فَافْعَلِي" رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى".
المحتويات
من المقرر أن الشرع الشريف أوجب على كلٍّ من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف؛ قال تعالى: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ﴾ [الأحزاب: 50]، وقال عز وجل: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]، وقال في حق الزوجة: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228]، وكما حث الشرع كلًّا منهما على تحسين الخُلُق لصاحبه والرفق به واحتمال أذاه، فكذلك حثهما على تحسين الخَلق بالتجمُّل والتزيُّن؛ لأنه من باب المعاشرة بالمعروف.
وقد بيَّن صلى الله عليه وآله وسلم أن في تجمُّلِ المرأة لزوجها كبيرَ الأجر فيما رواه البيهقي في "شعب الإيمان" من حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها أنها أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وأمي، إني وافدة النساء إليك، واعلم -نفسي لك الفداء- أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي. إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجًّا أو معتمرًا أو مرابطًا حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: «هَلْ سَمِعْتُمْ مَقَالَةَ امْرَأَةٍ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ مَسْأَلَتِهَا فِي أَمْرِ دِينِهَا مِنْ هَذِهِ؟» فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليها ثم قال لها: «انْصَرِفِي أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ، وَأَعْلِمِي مَنْ خَلْفَكِ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ إِحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا، وَطَلَبَهَا مَرْضَاتَهُ، وَاتِّبَاعَهَا مُوَافَقَتَهُ تَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ».
قد سَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمسلم تنظيف بدنه وتجميله بإزالة ما هو مظنة لجمع ما يُؤذي البدن وقد ينفر منه الزوج والزوجة؛ كتقليم الأظفار ونتف الإبط والاستحداد وغيرها؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الشيخان: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ».
ويدخل في ذلك أخذ الزائد من شعر الحاجبين بالحف أو الحلق إذا كان خارجًا عن الحد المألوف، أو مما يؤذي العين أو مما يُنفِّر الزوج عن زوجته إذا لم تُهذبه؛ لأنه ينبغي على المرأة أن تزيل ما في إزالته جمال لها، وقد أجاز متأخرو الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في قولٍ للزوجة أن تُهذِّبه بإزالة ما زاد عن حدوده المعتادة مما يُنفِّر إذا كان بإذن الزوج.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (6/ 373، ط. دار الفكر): [لو كان في وجهها شعرٌ ينفُرُ زوجها عنها بسببه ففي تحريم إزالته بُعد؛ لأن الزينة للنساء مطلوبة للتحسين] اهـ.
وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (2/ 306، ط. دار الفكر) عن إزالة شعر بدن المرأة: [وأما النساء فيجب عليهن إزالة ما في إزالته جمال لها] اهـ.
ويقول أيضًا في (2/ 314): [والتنميص هو نتف شعر الحاجب حتى يصير دقيقًا حسنًا، ولكن روي عن عائشة رضي الله عنها جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه، وهو الموافق لما مر من أن المعتمد جواز حلق جميع شعر المرأة ما عدا شعر رأسها] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (1/ 407، ط. دار الكتب العلمية): [أما إذا أذن لها الزوج أو السيد في ذلك، فإنه يجوز؛ لأن له غرضًا في تزيينها له وقد أذن لها فيه] اهـ.
وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (1/ 158، ط. مؤسسة الرسالة): [ويحرم نمص ووشر ووشم في الأصح، وكذا وصل شعر بشعر، وقيل: يجوز بإذن زوج] اهـ.
فدل كلامهم على جواز تهذيب الحاجبين بإذن الزوج.
يستدل على ذلك بما أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر والثوري عن أبي إسحاق عن امرأة ابن أبي الصقر أنها كانت عند السيدة عائشة رضي الله عنها فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين إن في وجهي شعرات أفأنتفهن أتزين بذلك لزوجي؟ فقالت عائشة: "أَمِيطِي عَنْكِ الْأَذَى، وَتَصَنَّعِي لِزَوْجِكِ كَمَا تَصَنَّعِينَ لِلزِّيَارَةِ". أي: تزيني لزوجك كما تتزينين لزيارة قريبة أو صاحبة.
وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها لمن سألتها عن الحفاف -وهو حف شعر الوجه- فيما رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (8/ 70، ط. دار صادر): "إِنْ كَانَ لَكِ زَوْجٌ فَاسْتَطَعْتِ أَنَّ تَنْزِعِي مُقْلَتَيكِ فَتَصْنَعِيهِمَا أَحْسَنَ مِمَّا هُمَا فَافْعَلِي".
وأخرج الطبري من طريق أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على السيدة عائشة رضي الله عنه وكانت شابة يُعجبها الجمال فقالت: المرأة تحف جبينها لزوجها؟ فقالت: "أميطي عنك الأذى ما استطعت". انظر: "فتح الباري" للإمام ابن حجر العسقلاني (10/ 378، ط. دار المعرفة، بيروت).
أما ما رواه الشيخان وغيرهما من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن النامصة والمتنمصة؛ فهذا من العام المخصَّص؛ فقد حمله الفقهاء على المرأة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها؛ كمَن كانت في إحداد على زوج أو نحوها.
ومن المعلوم أنه قلما يوجد في الشرع حكم عام لا يخصص؛ قال حجة الإسلام الغزالي في "المستصفى" (ص: 245، ط. دار الكتب العلمية): [جميع عمومات الشرع مخصَّصة بشروط في الأصل والمحل والسبب، وقلّما يوجد عامٌّ لا يُخصص] اهـ.
وعلى هذا فقد خصص بعض الفقهاء النهي بالمرأة المنهية عن الزينة كالمتوفى عنها زوجها؛ قال العلامة العدوي المالكي في "حاشيته على كفاية الطالب الرباني" (2/ 459، ط. دار الفكر): [والنهي محمول على المرأة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها؛ كالمتوفى عنها والمفقود زوجها فلا يُنافي ما ورد عن عائشة رضي الله عنها من جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه] اهـ.
ويقول العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (6/ 373، ط. دار الفكر): [النمص: نتف الشعر ومنه المنماص المنقاش. اهـ. ولعله محمول على ما إذا فعلته لتتزين للأجانب] اهـ.
ويُعد تهذيب المرأة لحواجبها بإذن زوجها من الزينة التي لا حرج عليها شرعًا إن ظهرت بها أمام الرجال الأجانب عنها الذين يتعاملون معها لحاجتها؛ كالبيع والشراء والتعليم ونحو ذلك؛ قال تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: 31]؛ فهي في ذلك كالكحل والخضاب وغيره من زينة الوجه والكفين مما يشُق على المرأة ستره.
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (23/ 364، ط. دار إحياء التراث العربي) -بعد ذكر الخلاف في المراد بما ظهر منها هل هو الخلقة؛ أي الوجه والكفان، أو ما سوى الخلقة-: [وأما الذين قالوا: الزينة عبارة عما سوى الخلقة فقد حصروه في أمور ثلاثة: أحدها: الأصباغ كالكحل والخضاب بالوسمة في حاجبيها والغمزة في خديها والحناء في كفيها وقدميها، وثانيها: الحلي كالخاتم والسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط. وثالثها: الثياب.
ثم قال في بيان المراد من قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾: وأما الذين حملوا الزينة على ما عدا الخلقة فقالوا: إنه سبحانه إنما ذكر الزينة لأنه لا خلاف أنه يحل النظر إليها حالما لم تكن متصلة بأعضاء المرأة، فلما حرم الله سبحانه النظر إليها حال اتصالها ببدن المرأة كان ذلك مبالغة في حرمة النظر إلى أعضاء المرأة، وعلى هذا القول يحلّ النظر إلى زينة وجهها من الوشمة والغمزة، وزينة بدنها من الخضاب والخواتيم، وكذا الثياب، والسبب في تجويز النظر إليها أنَّ تَسَتُّرَها فيه حرج؛ لأن المرأة لا بد لها من مناولة الأشياء بيديها والحاجة إلى كشف وجهها في الشهادة والمحاكمة والنكاح] اهـ.
وقال الإمام محمد بن الحسن الشيباني في "الأصل" (3/ 56، ط. كراتشي): [وأما المرأة الحرة التي لا نكاح بينه وبينها ولا حرمة ممن يحل له نكاحها فليس ينبغي له أن ينظر إلى شيء منها مكشوفًا إلا الوجه والكف، ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وإلى كفها، ولا ينظر إلى شيء غير ذلك منها، وهذا قول أبي حنيفة، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: 31]، ففسر المفسرون أن ما ظهر منها الكحل والخاتم، والكحل زينة الوجه، والخاتم زينة الكف؛ فرخص في هاتين الزينتين، ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وكفها إلا أن يكون إنما ينظر إلى ذلك اشتهاء منه لها؛ فإن كان ذلك فليس ينبغي له أن ينظر إليه] اهـ.
وحاصلُ ما ذُكر: أن ما أباحه الشرع من تجميل الوجه أو الكف بالكحل والخضاب ونحوه هو من الزينة التي رخص الشرع في ظهورها على المرأة، ويدخل في ذلك تهذيب الحاجبين.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن أخذ المتزوجة من شعر حاجبيها جائزٌ شرعًا بإذن الزوج، ولا حرج عليها في ذلك، بل هو مستحبٌّ في حقها ما دامت تبتغي من ذلك التجمل والتزين للزوج وحسن معاشرته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.