متى يجب إخراج زكاة الفطر؟ ومتى ينتهي وقتها؟ وما حكم إخراجها بعد وقتها؟
اتفق الفقهاء على أنه يستحب إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد، ولا مانع شرعًا عند بعض الفقهاء من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، أو تعجيلها من أول دخول رمضان، ويكره تأخيرها لما بعد صلاة العيد، فإن تأخر لا تسقط ويجب إخراجها.
المحتويات
شرعت زكاة الفطر في شهر شعبان، في السنة الثانية من الهجرة، عام فرض صوم رمضان.
والفِطْرُ: اسم مصدر من: أَفْطَرَ الصَّائِمُ إِفْطَارًا، وأضيفت الزكاة إلى الفطر؛ لأنه سبب وجوبها، فهي صدقة تجب بالفطر من رمضان.
قد شرعت زكاة الفطر للرفق بالفقراء بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يُسَرُّ فيه المسلمون بقدوم العيد، ولتكون طهرة لمن اقترف في صومه شيئًا من اللغو أو الرَّفث؛ قال العلامة وكيع بن الجراح شيخ الإمام الشافعي فيما نقله عنه العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (2/ 111، ط. دار الكتب العلمية): [زكاة الفطرة لشهر رمضان كسجدة السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم، كما يجبر السجود نقصان الصلاة] اهـ.
وهي واجبة بالسنة والإجماع، والأصل في وجوبها ما رواه الإمام البخاري عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة الفطر صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر على الصغير والكبير والحر والمملوك"، وغيره من الأحاديث؛ قال العلامة الخطيب الشربيني في المرجع السابق نفسه: [والأصل في وجوبها قبل الإجماع خبر ابن عمر] اهـ.
وقال العلامة أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري في "الإشراف على مذاهب العلماء" (3/ 61، ط. مكتبة مكة الثقافية): [وأجمع عوام أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض] اهـ.
وقيل: إنها الزكاة المرادة من قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى: 14-15].
تجب زكاة الفطر بدخول فجر يوم العيد عند الحنفية، بينما يرى الشافعية والحنابلة أنها تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وأجاز المالكية والحنابلة إخراجها قبل وقتها بيومين؛ لقول نافع: "وَكان ابْنُ عمرَ رَضي الله عَنْهما يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ".
ولا مانع شرعًا من تعجيل زكاة الفطر من أول دخول رمضان، كما هو الصحيح عند الشافعية، وهو قول مصحح عند الحنفية، وفي وجه عند الشافعية أنه يجوز من أول يوم من رمضان لا من أول ليلة، وفي وجه يجوز قبل رمضان.
وقد اتفق الفقهاء على أنه يستحب إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد؛ للأمر الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يخطب قبل الفطر بيومين، فيأمر بإخراجها قبل أن يغدو إلى المصلى، وقال: «أَغْنُوهُمْ -يَعْنِي الْمَسَاكِينَ- عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ»، واتفقوا كذلك على جواز إخراجها في يوم العيد قبل الصلاة، إلا أن بعضهم قال بكراهة التأخير لما بعد الصلاة.
قال العلامة أبو بكر علاء الدين السمرقندي الحنفي في "تحفة الفقهاء" (1/ 340، ط. دار الكتب العلمية): [الأصح أنها تجب وجوبًا موسعًا، لكن المستحب أن يؤدي قبل الخروج إلى المصلى؛ وذلك حتى لا يحتاج الفقير إلى الكسب والسؤال يوم العيد، فيتمكن من أداء صلاة العيد دون أن ينشغل قلبه بالبحث عن القوت] اهـ بتصرف.
وقال العلامة أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي في "المعونة على مذهب عالم المدينة" (ص: 431، ط. المكتبة التجارية): [ويستحب إخراجها قبل الغدو إلى المصلى؛ لما روى ابنُ عمر رضي الله عنهما] اهـ.
وجاء في "المدونة" (1/ 385، ط. دار الكتب العلمية): [في إخراج زكاة الفطر قبل الغدو إلى المصلى، قلت: متى يستحب مالك إخراج زكاة الفطر؟ فقال: قبل الغدو إلى المصلي... قال: وأخبرني مالك قال: رأيت أهل العلم يستحبون أن يخرجوا صدقة الفطر إذا طلع الفجر من يوم الفطر من قبل أن يغدوا إلى المصلى، قال مالك: وذلك واسع إن شاء أن يؤدي قبل الصلاة أو بعدها] اهـ.
وقال العلامة الرملي في "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (3/ 111، ط. دار الفكر): [ويسن أن لا تؤخر عن صلاته؛ أي: العيد، بأن تخرج قبلها...، بل جزم القاضي أبو الطيب بأن تأخيرها إلى ما بعدها مكروه] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (2/ 252، ط. دار الكتب العلمية): [ويجوز إخراجها في سائره؛ أي: باقي يوم العيد، لحصول الإغناء المأمور به، مع الكراهة؛ لمخالفته الأمر بالإخراج قبل الخروج إلى المصلى] اهـ.
قد اتفق الفقهاء على أنها لا تسقط بخروج وقتها، إلا أنهم اختلفوا في إخراجها بعد يوم العيد هل يكون أداء أم قضاء؟
فيرى بعض الحنفية أن إخراجها بعد يوم العيد هو قضاء، ويرى بعضهم أنها تكون أداء، وهو الأصح في المذهب؛ لأن الوقت عندهم موسع، قال العلامة أبو بكر علاء الدين السمرقندي الحنفي في "تحفة الفقهاء" (1/ 340، ط. دار الكتب العلمية): [أما وقت الأداء فهو يوم الفطر من أوله إلى آخره، ثم بعده يسقط الأداء ويجب القضاء عند بعض أصحابنا، وعند بعضهم وهو الأصح أنها تجب وجوبًا موسعًا] اهـ.
وقال العلامة أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني في "الأصل المعروف بالمبسوط" (2/ 258، ط. إدارة القرآن والعلوم الإسلامية): [قلت: أرأيت الرجل إن أخر صدقة الفطر حتى مضى يوم الفطر هل يجب عليه أن يؤديها بعد ذلك؟ قال: نعم، قلت: فإن كان شهرًا أو أكثر من ذلك، قال: وإن كان سنتين] اهـ. وذلك لأنها قربة مالية معقولة المعنى فلا تسقط بعد الوجوب إلا بالأداء كالزكاة، فقاسوها على الزكاة؛ لأن الزكاة غير مقيدة بوقت، فإذا أخرجها في أي وقت، كان مؤديًا.
أما غيرهم من فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة ومن وافقهم من فقهاء الحنفية فيرون أن مؤخِّرَها بعد الوقت بلا عذر آثمٌ؛ لمخالفته المعنى المقصود، وهو الإغناء عن السؤال في يوم العيد، وقاسوها على الأضحية؛ حيث إنهم يرون كلًّا منهما عبادة متعلقة بزمن، فإذا خرج وقتها كانت قضاء، ويرون أنه في كل الأحوال يجب القضاء؛ قال العلامة أبو البركات الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 678، ط. دار المعارف): [ولا تسقط زكاة الفطر عن غني بها وقت الوجوب بمضي زمنها بغروب شمس يوم العيد، بل هي باقية في ذمته أبدًا حتى يُخرجها] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (2/ 112، ط. دار الكتب العلمية): [ويُكره تأخيرها عن الصلاة، ويحرم تأخيرها عن يومه؛ أي: العيد، بلا عذر؛ كغيبة ماله، أو المستحقين لفوات المعنى المقصود، وهو إغناؤهم عن الطلب في يوم السرور، فلو أخر بلا عذر عصى وقضى؛ لخروج الوقت] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة المقدسي في "الكافي في فقه الإمام أحمد" (1/ 414، ط. دار الكتب العلمية): [وإن أخرها عن اليوم أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته ولزمه القضاء؛ لأنه حق مال وجب فلا يسقط بفوات وقته كالدين] اهـ.
بناءً على ذلك: فالمُستحبُّ لدى جميع الفقهاء إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد؛ للأمر الوارد بذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولحصول الإغناء المأمور به للفقير، فلا يشتغل يوم العيد بالسؤال، ويجوز كذلك إخراجها في يوم العيد بعد الصلاة وإن كره بعضهم التأخير، ويجوز أيضًا تأخيرها عن يوم العيد لمن لم يتمكن من الإخراج فيه بعذر أو بلا عذر على ما ذهب إليه بعض فقهاء الحنفية، وإن كان الأولى عدم التأخير بغير عذر؛ لأن الخروج من الخلاف مستحبٌّ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.