ما حكم حمل السلاح والتجارة فيه دون ترخيص؟
حمل السلاح أو التعامل فيه بيعًا وشراءً وتصنيعًا وإصلاحًا بدون ترخيصٍ حرامٌ شرعًا؛ حيث إن ذلك من المواضع التي يُحتاج فيها إلى سدِّ الذرائع للحدِّ من سوء استعماله حفاظًا على أرواح الناس واستقرار الأمن، وقد أتى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم على قوم يتعاطَوْن سيفًا مسلولًا فقال: «لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، أَوَلَيْسَ قَدْ نَهَيْتُ عَنْ هَذَا؟» ثُمَّ قَالَ: «إِذَا سَلَّ أَحَدُكُمْ سَيْفَهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُنَاوِلَهُ أَخَاهُ فَلْيُغْمِدْهُ، ثُمَّ يُنَاوِلْهُ إِيَّاهُ» رواه أحمد.
فمن رأى أنه في حاجة إلى حمل السلاح أو التعامل فيه على النحو السابق بيانه فعليه أن يستخرج بذلك ترخيصًا من جهة الإدارة المختصة، وعليه -إذا رُخِّصَ له به- أن يلتزم بتبعات هذا الترخيص والأحوال التي يُصَرَّحُ له فيها بحمل السلاح واستخدامه، فإن لم يفعل عُدَّ آثمًا شرعًا ومتسببًا فيما ينتج عنه من تبعات وخيمة؛ لأنه استخدم ما ليس له استخدامُه.
المحتويات
الحفاظ على النفس والأمن الفردي والمجتمعي مقصدٌ من المقاصد الشرعية، وهو إحدى الكليات الخمس العليا في الشريعة الإسلامية، ولذلك جعلت الشريعة الأصل في الدماء والفروج هو الحرمة، وسنَّت من الأحكام والحدود ما يكفل الحفاظ على نفوس الآدميين، ويحافظ على حماية الأفراد واستقرار المجتمعات، وسدَّت من الذرائع ما يمكن أن يمثل خطرًا على ذلك ولو في المآل.
ومن هذا المنطلق جاء تعامل الشريعة الغرَّاء مع قضايا السلاح؛ تصنيعًا، وبيعًا، وشراءً، واستخدامًا، حيث جعلت ذلك منوطًا بتحقق المقاصد الشرعية المعتبرة التي تتوخَّى توفير الأمن والحماية للفرد والمجتمع؛ بحيث يُمنع بيع السلاح وشراؤه أو استخدامه عند قدحه في شيء من هذه المقاصد؛ فحثَّت الشريعة المكلَّف على استحضار النية الصالحة في صنع السلاح ابتداءً، وجعلت ذلك سببًا لدخول الجنة؛ فعن عقبة بن عامر الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ الْمُحْتَسِبَ فِي صَنعتِهِ الْخَيْرَ، وَالَّذِي يُجَهِّزُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالَّذِي يَرْمِي بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ» أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن، وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم.
ولـمَّا كان المقصودُ الأساس الذي عليه مدار مشروعية صُنع السلاح واستخدامه هو الدفاع عن الإنسان ضد الاعتداء عليه؛ فردًا كان أو جماعةً، ولم يكن المقصود به الاعتداء؛ كان استخدامه منوطًا بتحقيق ذلك الدفاع، فإذا تحوَّل إلى الاعتداء أو مَظِنَّتِه انقلب المشروع ممنوعًا، وصار حمله حرامًا لصيرورته وسيلةً للحرام.
فعلى مستوى الجماعة: يأمر الله تعالى بإعداد قوة الردع التي تُرْهِب العدوَّ وتثنيه عن الاعتداء على بلاد المسلمين؛ فيقول سبحانه: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60]، فإذا استخدمت القوة في العدوان على الخلق دخلت في جانب الحظر وصارت إفسادًا في الأرض؛ كما قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190].
وعلى مستوى الأفراد: حرصت الشريعة على اتخاذ التدابير الوقائية وسدِّ الذرائع للأمن من أذى السلاح إلى الحدِّ الذي جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر باتخاذ الحيطة والحذر عند مناولة السلاح بين الناس؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُتعاطى السيف مسلولًا" أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسَّنه، وصححه ابن حبان والحاكم.
وسدُّ الذرائع من أبواب الاجتهاد التي لا يُتَوَسَّع فيها إلَّا حيث يُحتاج إلى ذلك، واستخدام السلاح وشراؤه وبيعه من المواضع التي يُحتاج فيها إلى سدِّ الذرائع للحدِّ من سوء استعماله؛ حفاظًا على النفوس والمُهَج، حتى أوصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم التهاون في اتباع الطريقة الآمنة عند تناول السلاح إلى حدِّ اللعن، وهو دليل على شدة نهي الشريعة عن ذلك، وحرصها على الأمن الوقائي؛ فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قوم يتعاطَوْن سيفًا مسلولًا، قال: «لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا أَوَلَيْسَ قَدْ نَهَيْتُ عَنْ هَذَا؟» ثُمَّ قَالَ: «إِذَا سَلَّ أَحَدُكُمْ سَيْفَهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُنَاوِلَهُ أَخَاهُ فَلْيُغْمِدْهُ، ثُمَّ يُنَاوِلْهُ إِيَّاهُ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، والطبراني، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مجرد الإشارة بالسلاح، ولو كان ذلك على سبيل المزاح؛ لمَا فيه من مَظِنَّة الأذى؛ فروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ» متفق عليه، وعنه رضي الله عنه أيضًا قال: قَالَ أَبُو الْقَاسِم صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن أَشَارَ إِلَى أَخِيه بحديدة فَإِن الْمَلَائِكَة تلعنه حَتَّى يَدَعَهُ، وَإِن كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأمه» رواه مسلم.
من أجل ضمان الاستخدام المشروع للسلاح وتلافي مَظِنَّة الاعتداء به فقد قيَّدت الشريعة حمله واستعماله في بعض المواضع؛ فمنعت حمله في الأماكن الآمنة التي لا يُحتاج فيها إليه؛ كالحَرَم، وفي الأزمنة التي هي مظنة الأمن كيوم العيد؛ لعدم الاحتياج إليه يومئذٍ؛ فروى الإمام البخاري في "صحيحه": أن الحَجَّاج دخل على ابن عمر رضي الله عنهما حين أُصيب في الحرم، فقال: كيف هو؟ فقال: صالح، فقال: من أصابك؟ قال: أَصابَني مَن أَمَرَ بحَمْلِ السلاح في يومٍ لا يَحِلُّ فيه حَمْلُه؛ يعني الحجاجَ، وبوَّب على ذلك البخاريُّ بقوله: (باب ما يُكرَه مِن حَمْلِ السِّلاح في العِيدِ والحَرَمِ)، ثم ذكر أثر الحسن معلَّقًا: "نُهُوا عن حَمْلِ السلاح يومَ عيدٍ، إلَّا أن يخافوا عدُوًّا".
وروى الإمام مسلمٌ في "صحيحه" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلَاحَ».
وحرَّم الشرع بيع السلاح في الفتنة؛ لأنها حالة لا يؤمَن فيها استخدامه في القتل؛ فعن عمران بن حُصَيْن رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع السلاح في الفتنة" أخرجه البزار، والطبراني في "المعجم الكبير"، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، وبوَّب على ذلك الإمام البخاري في "صحيحه" بقوله: (باب بيع السلاح في الفتنة وغيرها)، وكره عمران بن حصين رضي الله عنهما بيعه في الفتنة، وبوَّب عليه الإمام أبو عمرو الداني في "السنن" الواردة في الفتن بقوله: (باب ما جاء في النهي عن بيع السلاح والدواب في الفتنة).
وأسند الخلَّال في "السُّنَّة" عن الإمام أحمد أنه قال: "وأمَّا الفِتنةُ فلا تَمَسَّ السِّلاحَ".
وهذا كلُّه يُستَدَلُّ به على أن الشريعة خوَّلت لولي الأمر تقييد استعمال السلاح، وأن له أن يقنن قصر استخدامه على الوجه الذي يجعله مُحَقِّقًا للمقصود منه؛ وهو الدفاع وتحقيق الأمن الداخلي أو الخارجي؛ ليحد بذلك مِن مظنة استخدامه في الاعتداء.
لمَّا كانت مهمة الدفاع في الماضي موكولة إلى الأفراد ولم تكن لهم مؤسسات أمنية منظمة تقوم بذلك كان حملهم السلاح مُبَرَّرًا، فلمَّا وُجِدَت المؤسسات الأمنية المنظمة في الدولة المدنية الحديثة وأُنِيطَتْ بها مسؤوليةُ حماية الدولة والأفراد، وتنوعت هذه المؤسسات بما يحفظ الأمن الداخلي، وكذا مهمة الدفاع ضد العدو الخارجي ارتفعت مُهمَّةُ الدفاع عن كاهل الأفراد، ووُجِدَت الحاجة الداعية إلى تقنين حمل السلاح؛ حتى لا يُتخذ ذريعة لارتكاب الجرائم؛ ليقتصر ذلك على الحالات التي هي مَظِنَّة الحاجة إلى حمله، مع مراعاة اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على سلامة الأنفس وأمن المجتمع.
وهذا من قَبِيل تقييدِ المباح الذي خوَّلَت الشريعةُ للحاكم فعله، وهو باب من أبواب السياسة الشرعية التي تُتَوَخَّى فيها المصالح المرعية؛ فللحاكم أن يسنَّ من التنظيمات والتقنينات ما يراه محققًا لمصالح العباد؛ حيث إن تصرفه على الرَّعيَّة منوطٌ بالمصلحة، والإجماع منعقد على وجوب طاعة ولي الأمر فيما لا يخالف الشرع الشريف، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].
وقد أخرج السِّتة عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ»، والأدلة على هذا كثيرة.
ووليُّ الأمر أعمُّ من أن يكون شخصًا طبعيًّا، بل يدخل فيه دخولًا أوليًّا: النظامُ العامُّ، والقوانين واللوائح التي تنظم أمور المعاش والارتياش.
وقد نص القانون رقم 394 لسنة 1954م بشأن إحراز وحيازة سلاح دون ترخيص على أنه: [يحظر بغير ترخيص من وزير الداخلية أو من ينيبه عنه حيازة أو إحراز الأسلحة النارية المبينة بالجدول رقم 2 وبالقسم الأول من الجدول رقم 3، وكذلك الأسلحة البيضاء المبينة في الجدول رقم 1 المرفق، ولا يجوز بأي حال الترخيص في الأسلحة المبيَّنة في القسم الثاني من الجدول رقم 3، وكاتمات أو مخفِّضات الصوت، والتلسكوبات التي تركب على الأسلحة الناريَّة، ولوزير الداخلية بقرار منه تعديل الجداول الملحقة بهذا القانون بالإضافة أو الحذف عدا الأسلحة المبينة بالقسم الثاني من الجدول رقم 3 فلا يكون التعديل فيها إلَّا بالإضافة] اهـ.
واشتراط الحصول على الترخيص في حمل السلاح واستخدامه ليس من باب المنع المطلق لحمله، ولا هو تجريدٌ للإنسان من وسيلة للدفاع عن النفس أو حكرٌ له على طائفة معينة، بقدر ما هو إجراءاتٌ تضمن تحقُّق الغرض الذي من أجله شُرِعَ استعمال السلاح؛ فإن ترخيص حمل السلاح يُعطَى لمن تثبت حاجته إليه، وكان مُؤَهَّلًا لحمله واستخدامه، والمعنَى الذي من أجله جرَّم المقنن حمل السلاح دون ترخيص إنما هو ضمان ألَّا توجد الأسلحة بأيدي المواطنين بشكل عشوائي يتسبب في فوضى استخدام السلاح، وأن تكون الأسلحة الموجودة بأيديهم محددةً على وجه الحصر، بحيث إنَّ مَن أُعفِيَ منهم من الترخيص فعليه أن يبلِّغ جهة الإدارة بوجود السلاح عنده، وهو أمر في غاية الأهمية يمكن معه سرعة الوصول إلى مستخدم السلاح مما يُسهِّل ضبط الجرائم، كما أنه يقيد حامل السلاح بقيود قانونية شديدةٍ وصارمةٍ؛ بحيث لا يستخدم السلاح إلا في الضرورة الملحَّة وفي الظروف التي يبيح فيها القانون استخدامَه؛ فهو محاطٌ بسياج قانوني يمنعه مِن استخدامه بشكل غير قانوني، وفي نفس الوقت يضمن له الحماية القانونية في حالة استخدامه بشكل قانوني وفي حدود المسموح به، كما أنه سيحرص حرصًا شديدًا على ألا يقع السلاح في يد غيره، فإذا أُخِذَ منه خلسةً أو سرقةً أو غصبًا فعليه أن يُبلغَ عن ذلك فور وقوعه، مما يمكن معه حصر الجرائم وتسهيل عمل الشرطة.
كما أن قوانين ترخيص السلاح تتضمن منع حمله في المؤتمرات والاجتماعات والأفراح، وهذا يلتقي مع نهي الشرع عن حمله في العيد والحرم؛ إذ ليس في هذه المواضع ما يُحوِجُ الإنسان إلى استخدامه، وقد يؤذي الغير حتى ولو حرص صاحبه على استخدامه في الحدود المسموح بها، كما تتضمن منع حمل السلاح في الأماكن التي يسمح فيها بتقديم الخمور، والتي يُلعب فيها الميسر؛ لأن هذه الأماكن مظنة فقد العقل وعدم السيطرة على التصرفات وعدم التحكم في ردود الأفعال، كما أن القانون قد اشترط أن يكون حامل السلاح لائقًا صحيًّا؛ لأن حمل السلاح من نحوِ ضعيف البصر أو من يصعب عليه التحكم في أطرافه أو من تنتابه نوبات ذهول أو إغماء مرضية يكون سببًا في تعريض حياة غيره للخطر.
كما حظر القانون حمل السلاح على الأصناف التي يُفتَرَض فيها إساءة استخدامه؛ فحظر حمْلَه على من تقل سِنُّهُ عن إحدى وعشرين سنة ميلادية، وعلى من حُكِمَ عليه بعقوبة جنائية، وعلى من حُكِم عليه بعقوبة الحبس لمدة سنة على الأقل في جريمة من جرائم الاعتداء على النفس أو المال أو العرض، وعلى من صدر عليه أكثر من مرةٍ حُكْمٌ بالحبس ولو لأقلَّ من سنةٍ في إحدى هذه الجرائم، وعلى من حُكِمَ عليه بعقوبة مقيِّدةٍ للحرية في جريمة مفرقعات أو اتجار في المخدرات أو سرقة أو شروع فيها أو إخفاء أشياء مسروقة، وعلى من حُكِم عليه في جريمة من الجرائم الواردة في البابين الأول والثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، وعلى من حُكِمَ عليه في أية جريمة استعمل فيها السلاح أو كان الجاني يحمل سلاحًا أثناء ارتكابها متى كان حمله يعتبر ظرفًا مشدَّدًا فيها، وعلى المتشردين والمشتبه فيهم والموضوعين تحت مراقبة الشرطة، فهؤلاء مَظِنَّةُ الإساءة في استخدام السلاح؛ فكان حظر حمل السلاح على هذه الطوائف حمايةً للمجتمع من الأخطار التي قد تلحق أفراده من جرَّاء حملهم له، وكل ذلك داخل في اعتبار المقاصد الشرعية ورعاية المصالح المرعية.
ومثل هذه اللوائح والقوانين إنما صدرت إِثْرَ دراسات اجتماعية واقعية عميقة على جميع شرائح المجتمع، وجاءت نتيجة لتجارب القائمين على الأمن عبر سنوات طويلة، فكانت أقرب ما يكون تحقيقًا لحفظ الأرواح وحماية الممتلكات.
ولا شك أن استخدام الأسلحة بشكل عشوائي يؤدي إلى ازدياد جرائم الإرهاب، حسب ما قررته الدراسات المتعلقة بالجريمة؛ فالهجوم على إحراز السلاح من غير ترخيص هو العمود الفقري لوجود الجريمة المنظمة في المجتمع، وظهور التشكيلات العصابية، وجرائم قطع الطريق، كما أنه السبب الرئيس في وقوع الجرائم الوقتية غير المنظمة أو غير المُعَدَّة سلفًا والتي تنشأ عن ردود الأفعال غير المنضبطة التي يولدها الوجود العشوائي لهذه الأسلحة بأيدي الأفراد الذين لهم في إرادة القتل سبق إصرار أو تَرَصُّدٍ.
والواقع يشهد أن كثيرًا من مرتكبي جرائم القتل لم تكن لهم نية تتجه إليه بحال، وأن الندم يكاد يقتلهم بعد وقوع جرائمهم، بل وربما كان المقتول من أحب الناس إليهم، وسبب ذلك هو وجود السلاح في يد الجاني في لحظة صادفت منه غضبًا أو خللًا نفسيًّا غاب فيها العقل واستغلها الشيطان فأوقع الإنسان في جريمة هي من أعظم الجرائم، وربما وقع السلاح في يد بعض خفاف العقل أو المرضى النفسيين أو الأطفال فيرتكبون به من الحماقات ما لا يمكن تداركه.
كما أن وجود السلاح يدعو الناس في كثير من الأحيان إلى تنحية القانون وفرض قوانين خاصة -قد تكون ظالمة في كثير من الأحيان- تحت قوة السلاح خاصةً في الأماكن البعيدة التي يمكن فيها التحلل من سطوة الدولة؛ كحالات الثأر، والاستيلاء على الأراضي.
بل إن الوجود العشوائي للأسلحة بأيدي الناس كان السبب الأساسي في نشوب الحروب الأهلية وانهيار دول بأسرها، وكان ذلك من أهم مخططات الاستعمار لإسقاط هذه الدول، كما أن معتادي الإجرام وأصحاب السوابق في الجريمة يمكن الحدُّ من ارتكابهم لهذه الجرائم عن طريق مصادرة أسلحتهم غير المرخصة؛ حيث تكون فرص ضبطهم وهم يحملون الأسلحة في حركتهم اليومية أضعاف فرص ضبطهم وهم يرتكبون جرائمهم؛ التي لا تُعلَم أزمنتها ولا أمكنتها؛ فيكون المنع من حمل السلاح حينئذٍ أقوى تدبير احترازي يمكن من خلاله منع الجرائم، أو التقليل من وقوعها.
بناءً على ما سبق: فالضوابط التي وضعها القانون على حمل السلاح واستخدامه إنما تمثل ضمانات للحفاظ على الأرواح والممتلكات، وفي ذلك تحقيق للمقصود الشرعي من حمل السلاح، والتزام الأفراد بها يجب أن ينبع من كونها وسائل لتحقيق هذا المقصود الشرعي قبل أن تكون طاعةً لولي الأمر والتزامًا بالقانون، فإذا انضاف إلى ذلك وجوب الالتزام بطاعة ولي الأمر وعدم الخروج على النظام العام، فإن حمل السلاح حينئذٍ أو استخدامه أو التجارة فيه بيعًا وشراءً أو تصنيعه أو إصلاحه بدون ترخيصٍ يكون حرامًا شرعًا.
ومن استشعر حاجته لحمل السلاح واستخدامه في أي ظرف من الظروف فعليه أن يستخرج به ترخيصًا من جهة الإدارة، وعليه الالتزام بتبعات هذا الترخيص والأحوال التي يُصَرَّحُ له فيها بحمل السلاح واستخدامه، فإن لم يفعل عُدَّ آثمًا شرعًا متسببًا في ما ينتج عنه من تبعات وخيمة؛ حيث استخدم ما ليس له استخدامه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.