ما حكم إخراج زكاة المال والفطر لأهل الصومال المنكوبين؟ حيث يعاني المسلمون في الصومال في هذه الآونة من المجاعة والحاجة الشديدة إلى الطعام والشراب والكسوة والدواء. فهل يجوز إخراج الزكاة ونقلها إليهم من مصر وبلدان المسلمين الأخرى؟
إغاثة أهل الصومال المنكوبين من أموال الزكاة والصدقات والتبرعات جائز شرعًا، بل هي من آكد وجوه الإنفاق في الآونة التي تشتد فيها حاجة أهل الصومال إلى المعونة العاجلة، وهو واجب الوقت الذي يتعين أداؤه على الجميع.
المحتويات
كفاية المنكوبين في الصومال في هذه الآونة مِن آكد الواجبات الشرعية على المسلمين في شتى بقاع الأرض، وقد أوجب الشرع على المسلم أن ينفق من ماله لدفع حاجة أخيه إذا لم يتم دفعُها إلا عن طريقه، فكيف إذا تعلق الأمر باستنقاذ المُهَج والأرواح، ومواجهة خطر الموت جوعًا وعطشًا!
ويشرع في هذا الصدد إخراج الزكاة لهم بنوعيها؛ زكاة المال وزكاة الفطر؛ حيث شرعت الزكاة لبناء الإنسان وسدِّ حاجاته وكفاية متطلبات معيشته، كما أن مصارف زكاة الفطر هي مصارف زكاة المال، والمعتمد الذي عليه جماعة من سلف الأمة وخلفها جواز إخراج زكاة الفطر مالًا، ويجوز إخراجها من أول رمضان؛ كما هو مذهب الشافعية وقول مصحح للحنفية.
وقد جعلت الشريعة الإسلامية كفاية الفقراء والمساكين هو آكد ما تصرف فيه الزكاة؛ حيث كانوا في صدارة مصارف الزكاة الثمانية في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]؛ للتأكيد على أولويتهم في استحقاقها، وأن الأصل فيها كفايتهم وإقامة حياتهم ومعاشهم، وخصهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالذكر في حديث إرسال معاذ رضي الله عنه إلى اليمن: «فَإنْ هُمْ أَطاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فأَخْبِرهُم أَنَّ اللهَ قد فَرَضَ عَلَيهِمْ صَدَقةً تُؤخَذُ مِن أَغْنِيائِهم فتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» متفق عليه.
فإذا تعلق الأمر باستنقاذ النفوس واستبقاء الأرواح؛ كما هو في حال المنكوبين في الصومال فإن توجيه الزكاة يصير في حقهم آكد وأوجب.
أجاز الشرع نقل الزكاة في مثل هذه الأحوال التي تشتد فيها الحاجة في موضع من المواضع؛ فعن معاذ رضي الله عنه أنه قال لأهل اليمن: "ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ -أَوْ لَبِيسٍ- فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ؛ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ" علَّقه البخاري ووصله البيهقي، قال الحافظ العيني في "عمدة القاري" (5/ 9، ط. دار إحياء التراث العربي): [وما نقَلَ الزكاةَ إلى المدينة إلا بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ بعثه لذلك، ولأنه يجوز نقلها إلى قوم أحوج من الفقراء الذين هم هناك، وفقراء المهاجرين والأنصار أحوج؛ للهجرة وضيق حال المدينة في ذلك الوقت] اهـ.
بل ونص جماعة من الفقهاء على وجوب نقلها إذا كانت حاجة المنقول إليهم أشد؛ خاصةً إذا تعلق الأمر بالحفاظ على المُهَج والأرواح.
ولا يقتصر الأمر على إعطائهم من الزكاة؛ إذ يشرع لكل من كان عنده من المال ما ينقذ به إخوانه أن يوجهه إليهم؛ فإن في المال حقًّا سوى الزكاة.
قال الحافظ العيني في "عمدة القاري" (5/ 101): [وقد تأول سفيان بن عيينة في المواساة في المسغبة قولَه تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة: 111]، ومعناه: أن المؤمنين يلزمهم القربة في أموالهم لله تعالى عند توجه الحاجة إليهم؛ ولهذا قال كثير من العلماء: إن في المال حقًّا سوى الزكاة، وورد في الترمذي مرفوعًا] اهـ.
وهذا كان دأب المسلمين عبر العصور في إغاثة بعضهم بعضًا؛ ففي "المدونة" (1/ 336، ط. دار الكتب العلمية): [عن الإمام مالك: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو بمصر عام الرمادة: "يا غوثاه يا غوثاه للعرب؛ جهِّزْ إليَّ عيرًا يكون أولها عندي وآخرها عندك، تحمل الدقيق في العباء"] اهـ.
جعل الشرع الشريف إطعام الطعام لمن يحتاجه خيرَ وجوه البر في الإسلام؛ فعن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رجلًا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وآله وَسلم: أَيُّ الْإِسْلَام خير؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» رواه البخاري ومسلم.
وحث على تفريج كرب الخلق والوقوف إلى جانب المنكوبين؛ فقال تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]، وقال جل شأنه: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: 11-16].
ووصف الله عباده الأبرار بإطعام الطعام، فقال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: 8]، وهذا يشمل رمضان وغيره، ولكنه في شهر رمضان أعظم أجرًا وأكثر ثوابًا، حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ» أخرجه ابن خزيمة وابن أبي الدنيا وغيرهما من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه.
بناءً على ذلك: فإن إغاثة أهل الصومال المنكوبين -من أموال زكاة المال والفطر والصدقات والتبرعات- هي من آكد وجوه الإنفاق في هذه الآونة التي تشتد فيها حاجة أهل الصومال إلى المعونة العاجلة، وهو واجب الوقت الذي يتعين أداؤه على الدول العربية والإسلامية، في ظل التباطؤ الدولي غير المبرر لقوى الشرق والغرب في اتخاذ خطوات جادة وسريعة لنجدتهم في نكبتهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.