شاهدنا وسمعنا في وسائل الإعلام عن العمليات التفجيرية التي حدثت في الصومال مؤخرًا، والتي استهدفت مجموعة من المسؤولين الحكوميين، وقد نسبت هذه العمليات لبعض الجماعات المنتسبة للإسلام، وصرح بعض مؤيدي هذه العمليات بمشروعيتها، فما حكم هذه الأعمال المذكورة؟
العمليات التفجيرية المسئول عنها -سواء ما حصل منها في بلاد المسلمين أو غير المسلمين- حرامٌ شرعًا، وفيها مخالفة للشريعة الإسلامية التي أمرت بحفظ النفس والمال وعظَّمت حرمة الإنسان نفسًا ودمًا؛ فقال سبحانه: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
وهي أيضًا من الغدر ونقضِ العهد؛ لأنها تنافي عهد الأمان الذي بين المسلمين وغير المسلمين سواء في ديارهم أو في ديار المسلمين، والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1].
كما أن فيها قتلًا للغافلين، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا يَفْتِكُ الْمُؤْمِنُ، الْإِيمَانُ قَيْدُ الْفَتْكِ» رواه الحاكم في "المستدرك".
هذا بالإضافة إلى ما تجُرُّهُ من ويلاتٍ ومفاسد على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ فتُستعمل ذريعة للتدخل في شئونهم والتسلط عليهم وانتهاب خيراتهم بحجة ملاحقة الإرهاب أو غير ذلك من الحجج الواهية، وتؤكد لغير المسلمين الاتهامات الباطلة التي يروِّجها أعداء المسلمين لإظهار دين الإسلام على أنه همجي دموي غايته قهر الشعوب والفساد في الأرض، بما يترتب عليه تعريض المسلمين في بعض البلدان الأجنبية للاضطهاد والإيذاء، فهي في الحقيقة من الصدِّ عن سبيل الله ولا علاقة لها بالإسلام.
هذه العمليات التفجيرية التي حدثت مؤخرًا لا شك في حرمتها شرعًا، وذلك للأمور التالية:
أولًا: مخالفتها للنصوص الشرعية:
ومخالفة هذه التفجيرات للنصوص الشرعية من أوجه؛ منها: أنها أدت إلى قتل المسلمين الذين هم من ذوي النفوس المعصومة، وقد عظَّم الشرع الشريف دم المسلم ورهَّب ترهيبًا شديدًا من إراقته أو المساس به بلا حق؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93]، وقال سبحانه: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
روى النسائي في "سننه" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ»، وروى ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا».
ومنها ما في ذلك من قتل الغافلين، وقد روى أبو داود والحاكم في "المستدرك" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَفْتِكُ الْمُؤْمِنُ، الْإِيمَانُ قَيْدُ الْفَتْكِ».
قَالَ ابن الأثير فِي "النِّهَايَة": [الْفَتْك: أَنْ يَأْتِي الرَّجُل صَاحِبه وَهُوَ غَارُّ غَافِل فَيَشُد عَلَيْهِ فَيَقْتُلهُ] اهـ.
ومعنى الحديث: أن الإيمان يمنع عن الفتك كما يمنع القيدُ عن التصرف، وقوله عليه الصلاة والسلام: «لَا يَفْتِكُ الْمُؤْمِنُ» هو خبر بمعنى النهي؛ لأنه متضمن للمكر والخديعة، أو هو نهي.
ثانيًا: مخالفتها للمقاصد الشرعية:
فالشرع الشريف جاء وأكَّد على وجوب المحافظة على خمسة أشياء أجمعت كل الملل على وجوب المحافظة عليها، وهي: الأديان، والنفوس، والعقول، والأعراض، والأموال، وهي ما تسمى بالمقاصد الشرعية الخمسة.
ومن الجليِّ أن التفجيرات المسئول عنها تَكِرُّ على بعض هذه المقاصد الواجب صيانتها بالبطلان، منها مقصد حفظ النفوس؛ فالمقتول إن كان هو الانتحاري القائم بعملية التفجير الذي يقحم نفسه في الموت إقحامًا بتلغيم نفسه أو نحو ذلك مريدًا قتل غيره ظلمًا وعدوانًا فهو داخل بذلك في عموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو عوانة في "مستخرجه" من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه.
وروى مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»، وبَوَّب الإمام النووي على هذا الحديث بابًا في "شرحه لصحيح مسلم"، فقال: (باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، وأن من قتل نفسه بشيءٍ عذب به في النار).
وإن كان غيره، فإن كان المقتول مسلمًا فقتله عمدًا عدوانًا كبيرةٌ ليس بعد الكفر أعظم منها، وفي قبول توبته وعدمه خلاف بين الصحابة ومن بعدهم.
وإن كان غير مسلم فإن كان في بلادنا فهو مستأمَن، وإن كان في بلاده فهو مواطن غافل لا جريرة له، وفي جميع الأحوال فإن نفوس هؤلاء المدنيين مصونة يحرم التعدي عليها ويجب صيانتها.
وكذلك تَكِر هذه التفجيرات بالبطلان أيضًا على مقصد حفظ الأموال؛ فلا يخفى ما ينتُج عنها من إتلاف للأموال والمنشآت والممتلكات العامة والخاصة، وإتلاف المال وإضاعته مما جاء الشرع بتحريمه، وتزداد الحرمة وتتضاعف إذا كان هذا المال المتلَف ليس مملوكًا للمتلِف بل هو مملوك لغيره - كما هو الحال هنا-، فتتعلق الحرمة بمخالفة نهي الشرع من جهة وبحقوق المخلوقين من جهة أخرى.
ثالثًا: ما يلزم عنها من مضار ومفاسد:
فمدار الشريعة المطهرة على جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتعطيلها، ولا يخفى على كل ذي لُبٍّ ما تَجُرُّه هذه الأعمال التخريبية من مفاسد على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ منها أنها تستعمل كتُكَأَة وذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد الإسلامية والتسلط عليها واستغلال خيراتها وانتهاب مواردها بحجة ملاحقة الإرهاب أو المحافظة على المصالح الاقتصادية أو تحرير الشعوب، فمن أعان هؤلاء على تحقيق مقصدهم وبلوغ مأربهم بأفعاله الخرقاء فقد فتح على المسلمين وبلاد الإسلام ثغرًا، وأعان على انتقاص المسلمين والتسلط على بلادهم، وهذا من أعظم الإجرام.
وقد نص العلماء أنه "لو تعارضت المصلحة مع المفسدة فإن دفع المفسدة مقدَّم على جلب المصلحة"، وكلام علمائنا هذا في المصالح المحققة فكيف إذا كانت المصلحة متوهمة أو معدومة، واستعمال القتل والترويع وتدمير الممتلكات والأموال داخل المجتمع المسلم، كما هو الحال في الأعمال التفجيرية في بلاد المسلمين فيسمى عند الفقهاء بـ"الحرابة". والحرابة إفساد في الأرض وفساد، والمتلبس بها يستحقُّ عقوبة أقسى من عقوبات القاتل والسارق والزاني؛ لأنَّ جريمته منهج يتحرك فيه صاحبه ضدَّ المجتمع.
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33].
والله سبحانه وتعالى أعلم.