هل هناك إعجاز القرآن الكريم وعدد تسعة عشر؟ فهناك بحث بعنوان "معجزة القرآن الكريم" للدكتور رشاد خليفة إمام مسجد توسان وخبير فني بمنظمة التنمية الصناعية هيئة الأمم المتحدة. ويطلب السائل الإفادة عن مدى صحة البحث المعروض.
تفيد دار الإفتاء المصرية بأن القرآن الكريم معجز بذاته في اللفظ والمحتوى، وإعجازه لا يمكن لبشر الإحاطة به، وهذا سر عظمة القرآن وخلوده؛ لأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. ومظاهر الإعجاز كثيرة؛ منها ما نعلم به، ومنها ما هو في علم الله، وهي باقية إلى يوم القيامة.
وبخصوص البحث المذكور، والذي يصور فيه كاتبه أن الإعجاز في القرآن الكريم يتمثل في العدد تسعة عشر، ثم ينسب للعلماء الذين تحدثوا عن الإعجاز اللغوي والعلمي والتنبؤ بأنهم اعتمدوا على آراء شخصية قابلة للتفسير والتأويل والتحيز العاطفي نفيد بالآتي:
أولًا: إن هذا البحث يغلب عليه الفكر البهائي وتقديسه للعدد تسعة عشر.
ثانيًا: إن الباحث ركز على الرقم تسعة عشر، وحاول أن يخضع كل آيات القرآن إليه بدون ضابط محدد، فمرة يضرب عدد كلمات الآية أو حروفها في العدد أربعة، ومرة يضربه في ثلاثة، ومرة في اثنين، ومرة في خمسة، ومرة في ستة... إلخ، وكل ذلك محاولة منه لإيجاد الرقم تسعة عشر، وهذا في جميع البحث من أوله لآخره.
ثالثًا: إن الباحث من أجل أن يثبت نظريته في تقديس العدد تسعة عشر فإنه يشكك في كتابة المصحف وفي الرسم العثماني الذي بلغنا من عهد الصحابة إلى عصرنا الحاضر بطريق التواتر، وذلك في البند 29 من البحث، والذي يقول فيه: إذا عددنا الحرف (ن) في السورة الوحيدة التي تفتتح بهذا الحرف وهي سورة القلم نجد أن هذه السورة تحتوي على 133 حرفًا (ن) وهذا العدد = 19 آخذين في الاعتبار أن الحرف (ن) يكتب في الرسم العثماني للمصحف الأصيل ثلاثة حروف هكذا: نون. وهذا خطأ بيِّن من الباحث؛ لأن القرآن وصلنا بطريق التواتر على هذا الرسم المذكور في المصاحف الآن.
وعلى ذلك: فإن هذا البحث لا يرقى إلى درجة البحث العلمي المفيد، وإنما هو ترجمة لفكر كاتبه وتأثره بمذهب البهائية المنحرف الضال، ولو أن شخصًا آخر استبدل بالعدد تسعة عشر عددًا آخر ثم وفق عليه آيات القرآن بطريقة كاتب هذا البحث والخالية من الضابط -كما سبق ذكره- فسوف يصل إلى نفس النتيجة التي وصل إليها الباحث في العدد تسعة عشر، ولذا فإن ما ذكر في ذلك البحث لا يمثل الحقيقة والصواب، والقرآن الكريم معجز بذاته وليس في حاجة إلى مثل هذا الإعجاز العددي الذي يتوهمه ويتصوره الباحث أو يحاول أن يثبته كشراك لترويج المذهب البهائي، ويجب على المسلم أن يكون فطنًا ولا يشارك في نشر مثل هذه الأبحاث حتى لا يرتكب إثمًا ويضر بنفسه وبغيره من المسلمين من عامة الناس أو غير المتخصصين من العلماء المسلمين.
المحتويات
بالنسبة للبحث المعروض نفيد بالآتي:
أولًا: فكرة عامة عن إعجاز القرآن: القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المتعالي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، المنزل على الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم بطريق الوحي باللفظ العربي، والمنقول إلينا بطريق التواتر حفظًا وكتابةً، والمتعبد بتلاوته، والذي تولى الله تعالى حفظه بنفسه، والقرآن الكريم يمثل المعجزة الكبرى التي دلت على صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما بلغ به عن الله تعالى؛ لأنه معجزة تخاطب العقل البشري وهو القاسم المشترك بين جميع البشر في كل الأزمنة؛ ليتحقق التسليم برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم الدين، لكونه خاتم الأنبياء والمرسلين.
وأوجه مظاهر إعجاز القرآن الكريم لا يمكن حصرها، ولكن يمكن التنبيه على بعضها بقدر الإمكان، فهناك إعجاز من ناحية اللفظ يتمثل في بلاغة القرآن وفصاحته ودقة تركيبه وتناسق عباراته وقوة جرسه وتعدد أساليبه، ويظهر ذلك خاصة في قصص الأنبياء السابقين، ففيها تجدد المعاني في كل مرة دون تكرار لما سبق، وهناك إعجاز من ناحية المحتوى لا يمكن الإحاطة به إلا أنه يمكن الإشارة إلى بعض جوانبه، وذلك كإخباره بالغيب وأحوال الأمم السابقة ومواقفهم وما حدث مع الأنبياء السابقين على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك إخباره بقصة خلق الإنسان والسماوات والأرض وغير ذلك، وقد أشار القرآن لذلك في قوله تعالى: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا﴾ [هود: 49].
ومن ذلك أيضًا إخباره بأحداث ستقع ثم وقعت كما أخبر بها القرآن الكريم مثل قوله تعالى: ﴿الم • غُلِبَتِ الرُّومُ • فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ • فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [الروم: 1-4]، وقوله تعالى:﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [الفتح: 27]، وقوله تعالى بشأن موقعة بدر: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: 45].
ومن ذلك أيضًا اشتماله على الحقائق العلمية التي تكشف بعض أسرار الخلق سواء في الجماد أو النبات أو الحيوان أو الإنسان، وهذه الحقائق يتجلى بعضها في اكتشافات العلم وتقدمه على مر العصور والأجيال تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53]، ومن الآيات الدالة على الإعجاز العلمي قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ • ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ • ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: 12- 14]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [فاطر: 41]، وقوله تعالى: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: 6]، والمسجور في اللغة العربية الذي أوقد عليه حتى حمي، وأثبت العلم الحديث ذلك، وأكد أن جميع المحيطات والعديد من البحار قيعانها مسجورة بالنيران، وهي الحقيقة الذي ذكرها القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة عام وغير ذلك من الآيات التي تدل على الإعجاز العلمي لا يتسع المقام لذكرها.
ومن أوجه الإعجاز في القرآن الكريم أيضًا الإعجاز التشريعي، ويتمثل في أنه يبين الأسس التي تنظم علاقات الإنسان بربه وعلاقته بغيره وبالمجتمع الذي يعيش فيه وبين حقوق الإنسان وواجباته، كما بين كل جوانب حياته سواء ما يتصل بعقيدته أو بأخلاقه أو بمعاملاته بمنهج وسط يلائم بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة دون أن يطغى أحد الجانبين على الآخر مع احترامه للعقل البشري بجعل التفكير فريضة قرآنية حتى لا تصطدم حقائق التشريع مع منطق العقل البشري، وهذا قليل من كثير ويمكن الرجوع لمؤلفات علوم القرآن لمن أراد المزيد.
ثانيًا: إن المراد بقوله تعالى: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ [المدثر: 30] أن الله جعل خزنة النار الموكلين عليها تسعة عشر ملكًا من الملائكة الغلاظ الشداد، وقد أراد الله بهذا العدد فتنة الذين كفروا من المشركين بالله عبدة الأوثان، وليتيقن أهل الكتاب -اليهود والنصارى- من صدق محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ يجدون هذا العدد في كتابهم المنزل، وحتى يزداد المؤمنون تصديقًا لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بما يشهدون من صدق إخبار نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتسليم أهل الكتاب لما جاء في القرآن الكريم موافقًا للتوراة والإنجيل، وقد نزلت هذه الآيات بشأن قصة الوليد بن المغيرة عندما وصف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنه ساحر وأن القرآن سحر من عند البشر، فجعل الله سبحانه وتعالى عقابه الخلود في جهنم وبئس المصير، فقال جل وعلا: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا • وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا • وَبَنِينَ شُهُودًا • وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا • ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ • كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا • سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا • إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ • فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ • ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ • ثُمَّ نَظَرَ • ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ • ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ • فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ • إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ • سَأُصْلِيهِ سَقَرَ • وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ • لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ • لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ • عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ • وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر: 11-31].
وقد روى ابن أبي حاتم عن البراء رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ [المدثر: 30] قال: إن رهطًا من اليهود سألوا رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن خزنة جهنم، فقال: الله ورسوله أعلم، فجاء رجل فأخبر النبي صلى الله عليه آله وسلم فأنزل الله تعالى عليه ساعتئذٍ: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ [المدثر: 30] فأخبر أصحابه.
ثالثًا: إنه ظهرت فرقة ضالة خارجة عن تعليم الإسلام ومنكرة لما هو معلوم من الدين بالضرورة تسمى البابية أو البهائية، وذلك في أوائل القرن الحادي عشر الهجري والقرن التاسع عشر الميلادي على يد ميرزا علي محمد الشيرازي المولود بإيران حوالي سنة 1152ه الموافق 1820م، وقد كان شيعيًّا اثنا عشريًّا، ولكنه تجاوز حدود ذلك المذهب وجمع بينه وبين آراء منحرفة في المذهب الإسماعيلي وفكرة الحلول التي قالها عبد الله بن سبأ في الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم ادعى أنه المهدي المنتظر، وأن الله حل فيه وأنه هو الذي به يظهر الله لخلقه، وأنكر الإيمان باليوم الآخر والحساب والجنة والنار، وأنكر أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم النبيين، وغير ذلك من الضلالات والانحرافات الخارجة عن الدين الإسلامي، وقد أعدم بسبب هذه الضلالات والانحرافات سنة 1850م بعد أن ترك مجموعة من أتباعه المضللين ومنهم بهاء الله الذي نسبت إليه الفرقة بعد إعدام أستاذه الميرزا علي محمد الشيرازي، وقد انتهى عهد بهاء الله بموته في 16 مايو 1892م.
ثم خلفه ابنه عباس أفندي المسمى عبد البهاء الذي أخذ من تعاليم اليهودية والمسيحية؛ ولذلك اتسعت الدعاية البهائية بين النصارى واليهود والمجوس، وكان أكثر أتباعها من هذه الديانات، ولما فشل البهائيون في استقطاب المسلمين لمواجهتهم من علماء المسلمين اتجهوا إلى بلاد التركستان وأوربا والبلاد الأمريكية، واتخذت هذه الفرقة مركزًا لها في شيكاغو، للأسف يوجد لهذه الطائفة الضالة أتباع حتى اليوم في هذه البلاد، ويحاولون من وقت لآخر الظهور على المجتمع بضلالتهم وخرافاتهم.
وأهم مبادئ البهائية:
1- أنهم جعلوا الصلاة تسع ركعات وقِبلتهم حيفا حيث يكون بهاء الله، وحجهم إلى حيفا كذلك.
2- تقديسهم العدد 19 ووضع تفريعات كثيرة عليه، فعندهم السنة تسعة عشر شهرًا، والشهر تسعة عشر يومًا، وشهر الصوم تسعة عشر يومًا مخالفين قول الله سبحانه: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [التوبة: 36]، وقول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: 189]، ومخالفين شريعة الإسلام في أن شهر الصوم رمضان، محدد برؤية الهلال وهو لا يقل عن تسعة وعشرين يومًا، ولا يزيد عن ثلاثين يومًا؛ لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ» رواه مسلم، وفي رواية: «إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ» رواه مسلم، ومخالفين الأمر المحسوس المحسوب أن الشهر القمري إما تسعة وعشرون يومًا وإما ثلاثون يومًا.
في واقعة السؤال وبناءً على ما سبق: فإن دار الإفتاء المصرية تفيد بأن القرآن الكريم معجز بذاته في اللفظ والمحتوى، وإعجازه لا يمكن لبشر الإحاطة به، وهذا سر عظمة القرآن وخلوده؛ لأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وقد تحدى الله سبحانه وتعالى جميع الإنس والجن أن يأتوا بسورة من مثله، فقال جل وعلا: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 23] وقد قال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: 88].
ومظاهر الإعجاز كثيرة؛ منها ما نعلم به، ومنها ما هو في علم الله، وهي باقية إلى يوم القيامة، وبخصوص البحث المعروض علينا تحت عنوان "معجزة القرآن الكريم" للدكتور رشاد خليفة إمام مسجد توسان والخبير الفني بمنظمة التنمية الصناعية هيئة الأمم المتحدة، والذي يصور فيه كاتبه أن الإعجاز في القرآن الكريم يتمثل في العدد 19 تسعة عشر، ثم ينسب للعلماء الذين تحدثوا عن الإعجاز اللغوي والعلمي والتنبؤ بأنهم اعتمدوا على آراء شخصية قابلة للتفسير والتأويل والتحيز العاطفي نفيد بالآتي:
أولًا: إن هذا البحث يغلب عليه الفكر البهائي وتقديسه للعدد 19 تسعة عشر.
ثانيًا: إن الباحث ركز على الرقم 19 تسعة عشر، وحاول أن يخضع كل آيات القرآن إليه بدون ضابط محدد، فمرة يضرب عدد كلمات الآية أو حروفها في العدد أربعة، ومرة يضربه في ثلاثة، ومرة في اثنين، ومرة في خمسة، ومرة في ستة ... إلخ، وكل ذلك محاولة منه لإيجاد الرقم تسعة عشر، وهذا في جميع البحث من أوله لآخره.
ثالثًا: إن الباحث من أجل أن يثبت نظريته في تقديس العدد تسعة عشر فإنه يشكك في كتابة المصحف وفي الرسم العثماني الذي بلغنا من عهد الصحابة إلى عصرنا الحاضر بطريق التواتر، وذلك في البند 29 من البحث، والذي يقول فيه: إذا عددنا الحرف ن في السورة الوحيدة التي تفتتح بهذا الحرف وهي سورة القلم نجد أن هذه السورة تحتوي على 133 حرفًا ن وهذا العدد = 19 آخذين في الاعتبار أن الحرف ن يكتب في الرسم العثماني للمصحف الأصيل ثلاثة حروف هكذا: نون.
وهذا خطأ بيِّن من الباحث؛ لأن القرآن وصلنا بطريق التواتر على هذا الرسم المذكور في المصاحف الآن.
على ذلك وبناء على ما سبق ذكره: فإن هذا البحث لا يرقى إلى درجة البحث العلمي المفيد، وإنما هو ترجمة لفكر كاتبه وتأثره بمذهب البهائية المنحرف الضال، ولو أن شخصًا آخر استبدل بالعدد تسعة عشر عددًا آخر ثم وفق عليه آيات القرآن بطريقة كاتب هذا البحث والخالية من الضابط -كما سبق ذكره- فسوف يصل إلى نفس النتيجة التي وصل إليها الباحث في العدد تسعة عشر؛ ولذا فإن ما ذكر في ذلك البحث لا يمثل الحقيقة والصواب، والقرآن الكريم معجز بذاته وليس في حاجة إلى مثل هذا الإعجاز العددي الذي يتوهمه ويتصوره الباحث أو يحاول أن يثبته كشراك لترويج المذهب البهائي، ويجب على المسلم أن يكون فطنًا ولا يشارك في نشر مثل هذه الأبحاث حتى لا يرتكب إثمًا ويضر بنفسه وبغيره من المسلمين من عامة الناس أو غير المتخصصين من العلماء المسلمين. ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.