حكم طاعة الزوج في عدم الالتزام بالحجاب

  • المفتى: فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم
  • تاريخ الصدور: 27 يوليه 1943
  • رقم الفتوى: 870

السؤال

ما حكم طاعة الزوج في عدم الالتزام بالحجاب؟ فقد وُلدت في بيت دِين، وكان أبي أحد رجال الدين البارزين، وكان جدي أكبر رجل ديني في مصر، وتوفيا قبل أن أبلغ مبلغ النساء.

وكنت أعيش مع والدتي وإخوتي، وتبعًا للظروف كنت ألبس الملابس القصيرة، وكنت أخرج بالكُمِّ النصفي ومن غير جورب، وكنت أضع على وجهي بعض الأحمر الخفيف، ومع ذلك كنت أؤدي فروض الصلاة، وكنت أخرج دائمًا مع أخي ووالدتي، وأعجب ابن خالتي بي فتزوجني لحسن أخلاقي، وكان فرحًا بي معجبًا يمدحني في كل وقت لما أنا عليه من جمال الخَلق والخُلق، ولكنه كان ينصحني بلبس الجورب والكُمِّ الطويل لكي أستر ما أمرنا الله بستره، وأحضر لي الكتب الدينية التي تحض على ذلك، ولما كنت قد ورثت حب التدين عن والدي فقد أطعته، بل زِدت على ذلك وأخذت ألبس إيشاربًا وهو أشبه بالمنديل الملون فوق رأسي وأعصبه من تحت الذقن، وهي طريقة تتبعها القرويات لكي يخفين شعر الرأس والعنق؛ وذلك ابتغاء مرضاة الله، فسُرَّ زوجي بذلك في مبدأ الأمر، ولكنه رجع فطالبني بأن أتزين وأتعطر له وألبس له الفساتين التي تكشف عن الساقين والذراعين، وأن أصفِّف شعري في أشكال بديعة كما كنت أفعل سابقًا، ولما كان ذلك متعذرًا لأن زوجي يسكن مع والديه وإخوته، وأحدهما في السادسة عشرة والثاني في الواحدة والعشرين؛ وذلك لأن ظروف زوجي لا تساعده على السكن وحده، فقد بينت له أن ذلك غير متيسر لأنني لا أستطيع أن أمنع أحدًا منهم من دخول حجرة أخيه في أي وقت، خصوصًا وأن لي أطفالًا صغارًا ومطالبهم تجعلني لا أستطيع أن أتقيد بحجرة خاصة؛ ولذلك فأنا ألبس في المنزل غطاء الرأس الذي وصفته وجلبابًا طويلًا يغطي إلى آخر الكعبين وأظل به طول النهار وبعضًا من الليل، وحين يراني زوجي بهذه الحالة يثور ويغضب ويقول إنه لا يسمح لي بهذا اللبس الذي أشبه فيه الغسالة أو كَدَادته العجوز، ولست أقول إنه يظلمني بهذا التشبيه، ولكني والحق أصبحت فتاة غريبة جدًّا عن تلك الفتاة التي كنتها والتي أعجب بها وتزوجها؛ لأن عدم التزين وهذه الملابس التي ألبسها جعلتني أشبه بالفلاحات، وحتى حين أراه غاضبًا وألبس بدل القميص فستانًا قصيرًا وشرابًا وجاكتًا لا يرضى بذلك، وأنا متأكدة أنه لو رآني كذلك قبل الزواج لما تزوجني، وقد تطورت الحالة في الشهور الأخيرة فأخذ يشتمني ويلعنني في كل وقت، ويقول إنه غير راضٍ عني أبدًا وإنني ملعونة من الله ومن الملائكة ومن كل شيء إلا إذا أطعته وأقلعت عن هذا الملبس ولبست ما كنت ألبس يوم تزوجني؛ لأنه تزوجني ليصون نفسه من الزلل، وإنه الآن في عنفوان شبابه وهو يرى في الخارج من المغريات كثيرًا، فإذا أنا لم ألبس له وأتزين كما كنت فيما مضى فسيضطر أن يمتع نفسه بطريقة أخرى، وإنه إذا زل فذنبه واقع عليَّ؛ لأنني لا أطيعه وأمتعه كما يريد. ولما قلت له إنني أخاف عقاب الله إذا أبديت زينتي ولبست الملابس التي تبين بعض أجزاء الجسم، قال لي: إنه سيتحمل الذنب وحده؛ لأنه هو الذي أمرني، وما أنا إلا مأمورة فلا عقاب علي؛ لأن الله يأمرنا بطاعة أزواجنا، وقد قال الرسول في ذلك: «لو كان السجود لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». والآن الحالة بيننا على أشدها، وقد هددني بأن يحلف بالطلاق أني لا ألبس هذه الملابس، والآن أنا في حيرة لا أدري معها إن كنت على صواب أم على خطأ في مخالفته، خصوصًا أنه يطلب مني حين حضور أحد من أقاربنا أو حين الخروج للنزهة عدم لبس شيء على رأسي وعدم لبس جوارب وأكمام طويلة، وهو لا يطلب مني ذلك دائمًا، وإنما في بعض الأحيان فأرفض خوفًا من الله، فيقول: إنه يحب أن أكون على أحسن حال، وإنه يطلب مني طلبًا معقولًا فيجب أن أطيعه.
والآن أنا في أشد الحيرة: هل أطيعه في كل شيء طاعة عمياء؟ أم أطيعه في بعض النقاط دون بعضها؟ وهل إذا أطعته يكون لا ذنب علي؟ إن لي منه طفلة وطفلًا وهو شاب مهذب مؤدب دَيِّن، فأفتني بما يرضي الله ورسوله. هدانا الله وإياكم سواء السبيل.

يحرم على الزوجة إبداء زينتها أمام غير المحارم -كأخوَي زوجها أو غيرهما- ويجب عليها عدم طاعة زوجها إن أمرها بذلك؛ لأن طاعة الزوجة لزوجها وإن كانت واجبة شرعًا إلا أنَّها مشروطة بألَّا تكون في معصية، فطاعة الزوجة لزوجها إنما تكون فيما له من حقوق عليها، وليس من الحقوق إبداء زينتها لمن لا يحل له النظر إليها؛ لأنها مأمورةٌ شرعًا بالحجاب، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ» رواه ابن أبي شيبة.

اطلعنا على هذا السؤال، ونفيد أنه يحرم على السائلة أن تخرج بالحالة المنوه عنها في السؤال، كما يحرم عليها إبداء زينتها المذكورة لأخوي زوجها؛ فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].

و(أولو الإربة من الرجال) هم الذين لا حاجة لهم إلى النساء من الشيوخ الطاعنين في السن ونحوهم. و(الخُمُر) في قوله تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ﴾ جمع خمار، وهي: المقنعة التي تلقيها المرأة على رأسها. و(الجيب): الطوق، وهو: فتح في أعلى القميص يبدو منه بعض الجسد وليس المراد منه الجيب المعروف الآن. والمراد بهذه الجملة من الآية الكريمة أمر النساء بستر نحورهن وصدورهن بخمرهن حتى لا يُرى منها شيء.

وإذا كان هذا -أي الخروج وإبداء الزينة كما جاء بالسؤال- حرامًا ومعصيةً، فإذا أمرها زوجُها به كانت إطاعتُه محرمةً؛ فإنه أمرٌ بمعصية، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ» رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه".

ومما يناسب ذكره هنا ما قاله الألوسي في تفسير الآية الكريمة المذكورة؛ قال رحمه الله: [ثم اعلم أن عندي مما يلحق بالزينة المنهي عن إبدائها ما يلبسه أكثر مترفات النساء في زماننا فوق ثيابهن ويتسترن به إذا خرجن من بيوتهن وهو غطاء منسوج من حرير ذي عدة ألوان وفيه من النقوش الذهبية أو الفضية ما يبهر العيون، وأرى أن تمكين أزواجهن ونحوهم لهن من الخروج بذلك ومشيهن به بين الأجانب من قلة الغيرة، وقد عمَّت البلوى بذلك، ومثله ما عمَّت به البلوى أيضًا من عدم احتجاب أكثر النساء من إخوان بعولتهن وعدم مبالاة بعولتهن بذلك، وكثيرًا ما يأمرونهن به. وقد تحتجب المرأة منهم بعد الدخول أيامًا إلى أن يعطوها شيئًا من الحلي ونحوه فتبدو لهم ولا تحتجب منهم بعدُ، وكل ذلك مما لم يأذن به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمثال ذلك كثير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم] اهـ.

هذا، وطاعة الزوجة لزوجها وإن كانت واجبة بل هي أوجب من طاعتها لأبويها كما دلَّت على ذلك النصوص الشرعية التي منها قوله عليه الصلاة والسلام: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأةُ حقَّ ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه» رواه ابن ماجه في "سننه"، فهي -أي طاعة الزوجة لزوجها- فيما له من حقوق عليها، وليس من الحقوق إبداء زينتها لمن لا يحل له النظر إليها.

هذا، وعليكِ أن تتقي الله وتتحملي أذى زوجك وتصبري على ذلك في سبيل رضاء الله عنك، وليكن نصب عينيك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا • وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق 2-3]، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 4]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].
واحذري أن تطيعي زوجك فيما يأمرك به مما نهى الله عنه وحرَّمه إرضاء له، فإنه لا يغني عنك من الله شيئًا، ففي حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها الذي بعثت به إلى معاوية: "مَن أرضى اللهَ بسخط الناس كفاه الله، ومن أسخط اللهَ برضا الناس وَكَلَهُ اللهُ إلى الناس" رواه ابن حبَّان في "صحيحه".
وانتهزي فرصة صفو زوجك وانصحي له أن يكون معك في طاعة الله واجتناب معاصيه، وليكن ذلك منك بالحكمة وحسن التصرف ولين القول، واذكري له أنه بأمره لك بما جاء في كتابك إنما يأمرك بالمنكر، وليس هذا من شأن المؤمنين، بل هذا شأن المنافقين، كما قال الله تعالى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ • وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [التوبة: 67-68].

أعاذ الله زوجك من النفاق ووقاه شر المنافقين، ووفقه إلى أن يكون من المؤمنين الذين ذكرهم الله في قوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ • وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 71-72].

فإذا ذكرت له هذا وكان مهذبًا مثقفًا وذا دين كما جاء بكتابك لم يرضَ لنفسه إلا أن يكون من المؤمنين الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وسائر المسلمين إلى ما يحبه ويرضاه وأن يجعل بينك وبين زوجك من الألفة والمودة والرحمة ما به تقيمان حدود الله تعالى وأن يصلح لكما شأنكما وأن يسعدكما وذريتكما في الدنيا والآخرة إنه سميع الدعاء وهو ولينا ونعم المولى ونعم النصير. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة