ما حكم الانتفاع بالمرهون؛ فقد رهن رجلٌ جزءًا من منزله لآخر على مبلغ معين، واشترط المُرتهِن أخذ الجزء المرهون تحت يده إلى أن يُوفِّيه الراهن بالدين، ولم يُعَيِّن الراهن والمُرتَهِن مدة معينة لسداد الدين، فهل يجوز للمُرتهن أخذ ريع الجزء المرهون شرعًا أم لا؟
لا يجوز للمرتهِن أن يشترط لنفسه الانتفاع بالمرهون في مقابلة الأجل، ويضمن ما انتفع به ويحتسب ذلك من الدين الذي له إن هو فعل ذلك، حتى لو كان المتعارف عليه أنه لو لم ينتفع بالمرهون لَمَا صبر على دينه فلا يجوز أيضًا؛ لأن المعروف كالمشروط.
أما إذا لم يكن الانتفاع مشروطًا ولا متعارَفًا عليه فيحل للمُرتهِن في هذه الحالة الانتفاع بالمرهون بإذن الراهن.
اطلعنا على هذا السؤال، ونفيد بأنه قد سبق تقديم مثل هذا السؤال من سائلٍ آخرٍ فأجبنا عنه بما نصه:
[اطلعنا على هذا السؤال، ونفيد بأنه لا نزاع في أنه لا يحل للمرتهن الانتفاع بالرهن بدون إذن الراهن، واختلفت كلمة الفقهاء في حِل انتفاعه بإذنه، ورد فى "الدر المختار وحاشية رد المحتار": [ففي "عامة المعتبرات": أنه يَحِل بالإذن، وعن عبد الله محمد بن أسلم السمرقندي: لا يحل له أن ينتفع بشيء منه بوجه من الوجوه وإن أذن له الراهن؛ لأنه أذن له في الربا؛ لأنه يستوفي دينه كاملًا فتبقى المنفعة فضلًا فيكون ربا، وفي "جواهر الفتاوى": إذا كان مشروطًا صار قرضًا فيه منفعة وهو ربا وإلا فلا بأس] اهـ.
قال ابن عابدين: [إن هذا يَصْلُح للتوفِيق وهو وجيه، وذكروا نظيره فيما لو أهدى المُستَقْرِض للمُقْرِض إن كان بشرط كره وإلا فلا] اهـ.
وقد سُئل الخير الرملي في رَجُلٍ رهن زوجته شجر زيتونٍ ببقية مهرٍ لها عليه على أن تأكل ثمرته نظير صبرها عليه فأكلت الثمرة هل تضمنها أم لا؟ فأجاب بقوله: نعم، تضمن؛ لعدم صحة مقابلة الصبر بأكل الثمرة؛ إذ هو ربًا، فكان مضمونًا عليها. اهـ. المراد. "رد المحتار على الدر لمختار".
ومن هذا يُعْلم أنه إذا كان انتفاع المُرتَهن مشروطًا في مقابلة الأجل لم يَحِل للمُرتهن أن ينتفع بالمرهون بأي وجه من الوجوه، كما أنه يكون ضامنًا لما أكل من ثمرة النخيل المرهون، ويحتسب ذلك من الدين، ومثل ما إذا كان مشروطًا ما إذا كان المعروف أنه لو لم ينتفع المُرْتَهن بالمُرهون لما صبر بدينه ولما انتظر به؛ لأن المعروف كالمشروط، ورد في "الدر المختار" وحاشيته "رد المحتار": [قال الطحطاوي ما نصه: والغالِب من أحوال الناس أنهم إنما يريدون عند الدفع الانتفاع، ولولاه لما أعطاه الدراهم، وهذا بمنزلة الشرط؛ لأن المعروف كالمشروط وهو مما يعين المنع] اهـ.
ومثله يقال في هذه الحالة أنه لولا انتفاعه بالمرهون لما صبر عليه ورضي بالأجل، أما إذا لم يكن الانتفاع مشروطًا ولا معروفًا عرفًا فيحل للمرتهن الانتفاع بالمرهون بإذن الراهن ولم يجب عليه شيء في مقابلة المنفعة] انتهى نص الفتوى.
وبعد أن أفتينا بهذه الفتوى اطلعنا على رسالة مستقلة للشيخ محمد عبد الحي اللكنوي سماها بـ"الفلك المشحون فيما يتعلق بانتفاع المرتهن بالمرهون" جاء فيها بعد أن ذكر أقوال الفقهاء وأدلتهم في الموضوع ما نصه: وأولى الأقوال المذكورة وأصحها وأوفقها بالروايات الحديثية هو القول الرابع أن ما كان مشروطًا يكره وما لم يكن مشروطًا لا يكره، أما كراهة المشروط فلحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً، فَهُوَ رِبًا» رواه ابن أبي شيبة، وأما عدم كراهة غير المشروط فلحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الظَّهْرُ يُرْكَبُ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ نَفَقَتُهُ» رواه الترمذي وابن ماجه.
والمراد بالكراهة التحريمية كما يفيده تعليلهم بأنه ربا، وهي المرادة من الحرمة في قول من تكلم بحرمة المشروط، فإن المكروه التحريمي قريب من الحرام، بل كأنه هو، ثم المشروط أعم من أن يكون مشروطًا حقيقةً أو حكمًا، أما حقيقة فبأن يشترط المرتهن في نفس عقد الرهن أن يأذن له الراهن بالانتفاع بالرهن على ما هو المتعارف في أكثر العوام أنهم إذا ارتهنوا شيئًا ودفعوا الدين يشترطون إجازة الانتفاع، ويكتبون ذلك في صكِّ الرهن، ولو لم يأذن له الراهن أو لم يكتب في الصكِّ لم يدفع المرتهن الدين، ولم يرتهن، وأما حكمًا فهو ما تعارف -لعل الصواب ما تُعُورِفَ- في ديارنا أو ما تعارف أهل ديارنا أنهم لا يشترطون ذلك في نفس المعاملة، لكن مرادهم ومنويهم إنما هو الانتفاع، فلولاه ما دفع المرتهن الدين... إلخ ما قال. ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.