يقول الله تعالى في سورة النور: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 4]. ولقد عرَّف اللهُ لنا الفاسقين بأنهم حسب ما جاء في سورة البقرة: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [البقرة: 27].
والسؤال: لماذا كان عدد الشهود أربعة؟ ولماذا كان العقاب ثمانين جلدة؟ ولماذا في حالة عدم وجود الشهود الاكتفاء بشهادة أحد الأطراف أربع شهادات بالله؟
أوجب الإسلام هذا العدد في إثبات جريمة الزنا تغليظًا على المدَّعِي وترغيبًا في الستر على العباد، وحتى لا يكون من السهل رمي الأبرياء في شرفهم، وطعن الأبناء في نسبهم.
ولأن الزنا يترتب عليه نفي النسب؛ فإن المناسب تشديد عقوبته بجعلها مائة جلدة، أما القذف فهو مع فداحته لا يترتب عليه نفي النسب، فناسب أن تكون عقوبته ثمانين جلدة.
وأما التحديد بأربع شهاداتٍ على الزوجين عند عدم وجود الشهود فأمرٌ تعبديٌّ لا يصح السؤال عنه بماذا أو لماذا؛ لأن الأمور التعبدية لا يسأل عن عِلَلِها.
إذا كان قذف النساء ورميهنَّ بالفاحشة أشنعَ وأنكى للنفوس، وفيه نفي نسب الأولاد إلى آبائهم من غير دليل مع حرص الإسلام الشديد على نسب الولد إلى أبيه محافظةً على أعراض الناس أن تَلُوكَها ألسنةُ السوء؛ لذلك أوجب الإسلام أن يكون عدد الشهود في إثبات جريمة الزنا أربعة؛ مبالغةً في الحيطة والحذر حتى لا يُرمى بها الأبرياء في شرفهم، ويُطعن الأبناء في نسبهم، وتغليظًا على المدعي وسترًا على العباد.
وتحديد الشهود بالأربعة حكمٌ ثابتٌ في القرآن والتوراة والإنجيل. وقيل: إنما كان الشهود أربعة؛ ليترتب شاهدان على كل واحد من الزانيين؛ كسائر الحقوق.
وكان العقاب في القذف ثمانين جلدة وفي الزنا مائةَ جلدة؛ لأنه متى تحقق الزنا فقد ثبت نفي النسب وتحقق، فلا بد فيه من تشديد العقوبة وذلك بجعلها مائة جلدة؛ لتتناسب العقوبة مع حجم الجريمة.
وأما في القذف -الذي هو اتهام بالزنا- فما زال الأمر غير ثابت ولا يترتب عليه نفي النسب؛ فناسب أن تكون العقوبة مخففة وأقل من عقوبة الزنا.
وإذا كان الإسلام أوجب وجود الشهود الأربعة كي تثبت جريمة الزنا فإن انعدام الشهود في هذه الجريمة لا يسقطها؛ إذ قد يقر أحد الطرفين بمقارفته لها.
أما إذا رمى الزوج زوجته بالزنا وليس له بَيِّنَة ولم يُقِر بذلك فمن حقِّه أن يدفع عن نفسه حدَّ القذف بملاعنته إياها؛ بمعنى: أن يشهد أربع شهاداتٍ بالله إنه لمن الصادقين في دعواه، وفي الخامسة يطلب اللعنة من الله عليه إن كان من الكاذبين في اتهامه إياها، ويكون من حقها أن تدرأ عن نفسها بأن تشهد أربع شهاداتٍ بالله إنه من الكاذبين في ادعائه عليها بالفاحشة، وفي الخامسة تطلب غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به.
ولما كان ذكر العدد واردًا في القرآن والتوراة والإنجيل فإن معنى ذلك أن ذكر الأربعة من الأمور التي تَعَبَّدَنَا الله تعالى بها فلا يصح السؤال عنها بماذا أو لماذا؛ لأن الأمور التعبدية لا يسأل عن عِلَلِها؛ لما فيها من الحكم الإلهية البليغة الخافية علينا والتي تقصر مداركنا عن فهم كُنْهِها وحقيقتها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.