التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأولياء الله الصالحين

  • المفتى: فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد
  • تاريخ الصدور: 09 ديسمبر 2010
  • رقم الفتوى: 469

السؤال

ما حكم التوسل والوسيلة بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأولياء الله الصالحين؟

التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرٌ جائزٌ ومرغَّب فيه شرعًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64]، وكذلك الحال في التوسل بالأولياء والصالحين في حياتهم وبعد مماتهم؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: 35]، وليس هذا من الشرك؛ لأنه بقصد التقرب إلى الله عز وجل مع تمام العلم بأن النفع والضر بيد الله وحده.

المحتويات

 

الرد على من ينكر مشروعية التوسل بالنبي  صلى الله عليه وآله وسلم وأولياء الله الصالحين

التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مما أجمعت عليه مذاهب الأئمة الأربعة المتبوعين، ومع ذلك فإن بعض الناس يُكَفِّر من يتوسل بالنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وبغيره.
وإسناد الفعل تارة يكون لكاسبه؛ كفَعَلَ فُلَانٌ كذا، وتارة يكون لخالقه؛ كفَعَلَ اللهُ تعالى كذا، والكل حقيقة في اللسان العربي، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم: ﴿وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213]، ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ [الكهف: 17]، ومع هذا فقد قال سبحانه: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52]، وهو كثير معروف.
فإن منع بعض الناس الإسناد على وجه الاكتساب فهم غير عقلاء، وإن ادَّعَوا أن الواقع في كلام الناس هو الإسناد للخالق لا للكاسب فهي دعوى كاذبة لم يقم عليها برهان، وقد استباح بها بعضهم دماء المسلمين جهلًا وضلالًا، ومَن منع الإسناد على وجه الكسب سقطت مخاطبته وانقطع الكلام معه.
فمثلًا: الغوث مِن الله تعالى خلق وإيجاد، ومِن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تسبب وكسب، هذا على فرض أننا طلبنا الغوث منه صلى الله عليه وآله وسلم، مع أننا لم نفعل ذلك، ولو فعلنا لصح على طريق التسبب والاكتساب بطلب الدعاء منه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وقد قالت أم إسماعيل عندما سمعت الصوت: أغِث إن كان عندك غِواثٌ كما في "البخاري"؛ فأسندَته إليه على سبيل الكسب، فكيف يجوز مع هذا تكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم بالتوسل والاستغاثة؟! وقد جاء في الحديث الصحيح: «أيُّما امرئٍ قال لأخيه: يا كافِرُ فقد باءَ بها أحدُهما: إن كان كما قال وإلَّا رَجَعَت عليه». رواه مسلم.
وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [النساء: 94]، فإذا كان هذا في رجل لم يكن منه إلا مجرد السلام الذي هو تحية المسلمين، فكيف بمَن يَتَجاسَرُ على خيار الأمة المحمدية؛ ويكفِّرهم بالتوسل بالأنبياء والصالحين بشُبَهٍ أوهى مِن بيت العنكبوت.

ومن المقرر أن اليقين لا يزول بالشك، وأنه يؤول للمسلم مِن وَجهٍ إلى سبعين وجهًا كما نص عليه النووي وغيره من العلماء، فهل يأخذ هؤلاء بظواهر العبارات أم بالمقصود منها؟ فإن كان التعويل عندهم على الظواهر كان قول القائل: أنبَتَ الرَّبِيعُ البَقلَ وأروانِي الماءُ وأشبَعَنِي الخُبزُ، شِركًا وكفرًا.
وإن كانت العبرة بالمقاصد والتعويل على ما في القلوب التي تعتقد أنه لا خالق إلا الله، وأن الإسناد لغيره إنما هو لكونه كاسبًا له أو سببًا فيه لا لكونه خالقًا؛ لم يكن شيء من ذلك كله كفرًا ولا شركًا، ولكن القوم متخبطون، خصوصًا في التفرقة بين الحي والميت على نحو ما يقولون، كأن الحي يصح أن يكون شريكًا لله دون الميت، أو كأن الأرواح تستمد قوتها وسلطانها من الأشباح لا العكس.
قال ابن القيم في "كتاب الروح": [إن للروح المطلقة مِن أسر البدن وعلائقه وعوائقه في التصرف والقوة والنفاذ والهمة وسرعة الصعود إلى الله تعالى والتعلق به سبحانه وتعالى ما ليس للروح المَهِينة المحبوسة في علائق البدن وعوائقه؛ بسبب انغماسها في شهواتها. فإذا كان هذا في عالم الحياة الأرضية وهي محبوسة في بدنها، فكيف إذا تجردت عنه وفارقته، واجتمعت فيها قواها، وكانت في أصل نشأتها روحًا عاليةً زكيةً كبيرةً ذات همة عالية؟! فهذه لها بعد مفارقة البدن شأن آخر وفعل آخر. وقد تواردت الرؤى في أصناف بني آدم على فِعل الأرواح بعد الموت أفعالًا لا تقدر على مثلها حال اتصالها بالبدن؛ في هزيمة الجيوش الكثيرة بالواحد، والفيالق بالعدد القليل جدًّا ونحو ذلك، وقد رُئي النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في النوم قد هزمت أرواحهم عساكر الكفر والظلم فإذا بجيوشهم مغلوبة مكسورة مع كثرة عددهم وضعف المؤمنين وقلتهم] اهـ. هذا ما قاله ابن القيم.
وقال الشوكاني: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاواه ما لفظه: والاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيه مسلم، ومَن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر وإما مخطئ ضالٌّ. قال الشوكاني: وأما التشفع بالمخلوق فلا خلاف بين المسلمين أنه يجوز طلب الشفاعة من المخلوقين فيما يقدرون عليه من أمور الدنيا، ثم قال الشوكاني: وفي سنن أبي داود أن رجلًا قال للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «إنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك، فقال: إنه لا يُستَشفَعُ باللهِ على أحَدٍ مِن خَلقِه؛ شأنُ اللهِ أعظَمُ مِن ذلكَ». فأقره على قوله: نستشفع على الله بك، إلى أن قال الشوكاني: وأما التوسل إلى الله سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد مِن ربه؛ فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إن صح الحديث فيه. ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه وغيرهم: أن أعمى أتى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إني أُصِبتُ في بَصَرِي، فادعُ اللهَ لي، فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «تَوَضَّأ وصَلِّ رَكعَتَين ثم قُل: اللهم إني أسألُكَ وَأتَوَجَّه إليكَ بنبيكَ محمدٍ، يا محمدُ، إنِّي أستَشفِعُ بكَ في رَدِّ بَصَرِي، اللهم شَفِّع النبيَّ فِيَّ، وقال: فإن كان لكَ حاجةٌ فمِثلُ ذلكَ، فرَدَّ اللهُ تعالى بصرَه». ثم قال الشوكاني: وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام؛ لأمرين: الأول: ما عَرَّفناكَ به مِن إجماع الصحابة رضي الله عنهم. والثاني: أن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة؛ إذ لا يكون الفاضل فاضلًا إلا بأعماله. فإذا قال القائل: اللهم إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني، فهو باعتبار ما قام به من العلم. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حكى عن الثلاثة الذين دخلوا الغار فانطبقت عليهم الصخرة، أن كل واحد منهم توسل إلى الله بأعظم عمل عمله؛ فارتفعت الصخرة، فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز أو كان شركًا كما يزعمه المتشددون في هذا الباب،كابن عبد السلام ومَن قال بقوله مِن أتباعه، لم تحصل الإجابة مِن الله لهم، ولا سكت النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم. ثم قال الشوكاني: وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل إلى الله بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، ونحو قوله تعالى: ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]، ونحو قوله تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ﴾ [الرعد: 14] ليس بوارد، بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه. فإن قولهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾ مصرح بأنهم عبدوهم لذلك، والمتوسل بالعالِم مثلًا لم يعبده، بل عَلِم أنه له مزيةً عند الله بحمله العلم، فتوسل به لذلك. وكذلك قوله تعالى: ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾؛ فإنه نهيٌ عن أن يُدعى مع الله غيرُه؛ كأن يقول: يا الله، يا فلان، والمتوسل بالعلم مثلًا لم يدع إلا الله، وإنما وقع منه التوسل إليه بعمل صالح عمله بعض عباده، كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم، وكذلك قوله: ﴿يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾؛ فإن هؤلاء دعَوا مَن لا يستجيب لهم ولم يدعوا ربهم الذي يستجيب لهم، والمتوسل بالعالم مثلًا لم يَدْع إلا الله ولم يَدْع غيره دونه، ولا دعا غيرَه معه. فإذا عرفت هذا لم يَخفَ عليكَ دَفعُ ما يُورِده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن محل النزاع... إلى أن قال: والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالِم من العلماء، لا يعتقد أن لمِن توسل به مشاركةً لله جل جلاله في أمر، ومن اعتقد هذا لعبد من العباد سواء كان نبيًّا أو غير نبي فهو في ضلال مبين. وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران: 128]، ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا﴾ [الأعراف: 188]؛ فإن هاتين الآيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من أمر الله شيء، وأنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، فكيف يملك لغيره، وليس فيهما منعُ التوسل به أو بغيره من الأنبياء والأولياء أو العلماء. وقد جعل الله لرسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم المقامَ المحمود، مقام الشفاعة العظمى، وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه، وقال له: «سَل تُعطَه واشفَع تُشَفَّع» رواه البخاري... إلى أن قال: وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لما نزل قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]: «يا عباسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ، لا أُغنِي عنكَ مِن اللهِ شَيئًا، ويا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رسولِ اللهِ لا أُغنِي عنكِ مِن اللهِ شَيئًا» رواه البخاري؛ فإن هذا ليس فيه إلا التصريح بأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لا يستطيع نَفعَ مَن أراد الله تعالى ضرَّه، ولا ضرَّ مَن أراد الله نَفعَه، وأنه لا يملك لأحد مِن قرابته -فضلًا عن غيرهم- شيئًا مِن الله تعالى. وهذا معلوم لكل مسلم، وليس فيه ألَّا يتوسل به إلى الله؛ فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر، وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدَي طلبه ما يكون سببًا للإجابة ممن هو المتفرد بالعطاء والمنع. انتهى النقل عن الشوكاني.
هذا وقد ذكر ابن قدامة الحنبلي في "مُغنِيه" الذي هو مِن أجَلِّ كتب الحنابلة أو أجلها على الإطلاق في صفة زيارته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: [تأتي القبرَ فتُوَلِّي ظَهرَك القبلةَ، وتستقبل وَسَطَه وتقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا نبيَّ الله وخِيرَته مِن خلقه... إلى أن قال: اللهم اجزِ عنا نبيَّنا أفضل ما جازيتَ به أحدًا من النبيين والمرسلين، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته يغبطه به الأولون والآخرون... إلى أن قال: اللهم إنك قلتَ وقولُك الحقُّ: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64]، وقد أتيتُكَ مستغفرًا مِن ذنوبي مستشفعًا بك إلى ربي] انتهى النقل عن ابن قدامة.
ولا بُعدَ في استغفاره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعد موته؛ فقد ورد في الحديث الصحيح: «تُعرَضُ عَلَيَّ أعمالُكم؛ فما رأيتُ مِن خَيرٍ حَمِدتُ اللهَ عليه، وما رأيتُ مِن شَرٍّ استَغفَرتُ اللهَ لكم» رواه البزار. وقد أطال المناوي وغيرُه في تصحيح هذا الحديث. فأنت تراه أثبتَ استغفارَه لنا بعد وفاته بنص الحديث. فهذا كلام الحنابلة الأُوَل المتبعين لمذهب الإمام أحمد، المتمسكين بسنة النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ومحبته كسائر علماء المذاهب.

التوسل بالرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ثابت قبل وجوده وبعد وجوده

قد ثبت التوسل به صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قبل وجوده وبعد وجوده، في الدنيا وبعد موته في مدة البرزخ وبعد البعث في عَرَصات القيامة، أما التوسل به قبل وجوده فيدل له ما أخرجه الحاكم وصححه ولم يتعقبه الذهبي في كتابه الذي تعقب به الحاكم في "مستدركه"، وقد صح عن مالك أيضًا على ما رواه القاضي عياض في "الشفاء": أن آدم لما اقترف الخطيئة توسل إلى الله بمحمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقال له: مِن أين عَرَفتَ محمدًا ولم أخلُقه؟ فقال: وَجَدتُ اسمَه مَكتُوبًا بجَنبِ اسمِكَ؛ فعَلِمتُ انَّه أحَبُّ الخَلقِ إليكَ، فقال الله: إنه لَأحَبُّ الخَلقِ إليَّ، وإذ تَوَسَّلتَ به فقد غَفَرتُ لكَ.
وقال مالك للمنصور وقد سأله: يا أبا عبد الله، أأستقبلُ القبلةَ وأدعو، أم أستقبلُ النبيَّ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؟ قال: ولِمَ تَصرِفُ وَجهَكَ عنه وهو وَسِيلَتُكَ إلى اللهِ ووسيلةُ أبيك آدمَ. يشير إلى الحديث الماضي.
وقال المفسرون في قوله تعالى: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: 89]: إنَّ قُرَيظة والنَّضِير كانوا إذا حاربوا مشركي العرب استنصروا عليهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان فينتصرون عليهم، فأنت تراهم سألوا الله به قبل وجوده، ولو ذهبنا نستقصي الأدلة على جواز التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم لطال المقام، وفيما ذكرنا غُنية لمَن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

الخلاصة

من طيَّات ما سبق ترى أن التوسل بالصالحين من أولياءَ وعلماء لا يخرج عن المعنى المذكور، والفهم المسطور، فمن شاء اتخذ إلى ذلك سبيلًا وأتبع سببًا، وإن أبى فلا أقل من أن يكفي الناسَ شرَّه، ويمنع عن عموم المسلمين سوءَ ظنه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة