السؤال الأول: هل على أنواع المحاصيل الآتية زكاة: محاصيل الخضر، محاصيل الفاكهة، محاصيل اللب بأنواعه: اللب السوبر، لب القرع، لب الخشابي، لب دوار الشمس؟
السؤال الثاني: إذا كنتُ مستأجرًا لأرض وأقوم بزراعتها، فهل لي أن أخصم قيمة الإيجار من المحصول الناتج قبل إخراج الزكاة، أم أُخرج الزكاة من كامل المحصول دون خصم قيمة الإيجار؟
السؤال الثالث: أقوم باستثمار أموالي في المشاركة على الماشية -بقر كبير وجاموس كبير وكذلك عجل جاموس وبقر وجميع أنواع الماشية- وتكون المشاركة كالآتي:
أقوم بشراء الماشية من السوق وأعطيها للفلاح كطرف ثانٍ، حيث يقوم بجميع تكاليف التغذية والخدمة ويكون هو المستفيد الوحيد بإنتاجها من اللبن ولا أستفيد أنا إلا من نصف الربح من نتاجها كعجول أو عند بيعها، فآخذ نصف الربح الزائد على ثمنها الأصلي، وقد يدفع الطرف الثاني -الفلاح- قدرًا ولو ضئيلًا من ثمنها عند شرائي لهذه الماشية، وقد يكون الربع أو الثلث من ثمنها، أو قد لا يدفع شيئًا قط، وذلك هو الغالب. فهل في ذلك زكاة؟
أولًا: لا زكاة في الخضراوات والفواكه فيما عدا التمر والعنب كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء، ولا زكاة كذلك في محاصيل اللب؛ لأنها ليس مما يُقتات.
ثانيًا: الأرض المستأجره تخرج زكاة محصولها قبل خصم قيمة الإيجار.
ثالثًا: إن كانت الماشية لأجْل التجارة فيها من غير استغلالها بتسمين أو حَلْبٍ أو أخذ صوفٍ أو جلد أو تأجيرٍ ففيها زكاة عروض التجارة؛ بأن يحسب ثمنها وربحها وقت تمام الحَوْل، ويُخْرَج ربعُ العشر، وأما إن كانت المشاركة لاستغلالها بشيء مما ذُكِر أو علْفها وسقْيها ثم بيعها بعد ذلك سمينة فلا زكاة فيها.
المحتويات
الخضراوات لا زكاة فيها، وكذلك الفواكه ما عدا التمر والعنب كما هو مذهب الإمامين مالك والشافعي، وهو المفتى به.
أما الزروع والحبوب فزكاتها فيما يُقتات منها، من قمح وشعير وأرز وذُرة وحِمَّص وعَدَس وأمثالها مما تقوم البنية بتعاطيه وتكتفي وتستغني به، ويُشترط أن يكون ذلك القوت مما يصلح للادخار بحيث لو ادخر للاقتيات لم يفسد.
وبناءً على ذلك: فلا زكاة في شيء من أنواع اللب المذكور.
اختلف العلماء في خصم الديون -ومنها أجرة الأرض التي يدفعها المستأجر- من الزرع المُزَكَّى قبل إخراج زكاته؛ فمنهم من قال بخصم ديون تكاليف الزرع دون غيرها من الديون، ومنهم من أجاز خصم جميع الديون، ومنهم من جعل إخراج الزكاة قبل خصم الديون مطلقًا، وهذا الرأي الأخير هو الأنسب بتفريق الشرع بين ما سُقي بكُلفة وما سُقي بغير كُلفة؛ حيث أوجب في الأول نصف العُشْر، وفي الثاني العُشْر كله؛ اعتبارًا للتكاليف، ولو كانت الديون تُخصَم من الزكاة لأغنى ذلك عن هذا التفريق؛ كما أن هذا الرأي هو الأوفق لحاجة الفقراء والمساكين، يقول الإمام الكمال بن الهُمَام الحنفي في "فتح القدير"؛ قال: [(وكل شيء أخرجته الأرض مما فيه العُشْر لا يُحتَسَب فيه أجر العمال ونفقة البقر)؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤنة فلا معنى لرفعها، قوله: (مما فيه العُشْر) الأَوْلَى أن يقول: مما فيه العُشْر أو نصفه؛ كي لا يظن أن ذلك قيد معتبر، قوله: (لا يُحتسَب فيه أجر العمال ونفقة البقر) وكري الأنهار وأجرة الحارس وغير ذلك؛ يعني لا يُقال بعدم وجوب العُشْر في قدر الخارج الذي بمقابلة المُؤنة، بل يجب العُشْر في الكل، ومن الناس من قال: يجب النظر إلى قدر قيم المُؤنة فيسلم له بلا عُشْر ثم يعشر الباقي؛ لأن قدر المُؤنة بمنزلة السالم بعوض كأنه اشتراه؛ ألا ترى أن من زرع في أرض مغصوبة سلم له قدر ما غرم من نقصان الأرض وطاب له كأنه اشتراه، ولنا ما تقدم من قوله عليه وآله الصلاة والسلام: «مَا سُقِيَ سَيْحًا... إلخ»، رواه ابن أبي شيبة، حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤنة، فلو رفعت المؤنة كان الواجب واحدًا وهو العُشر دائمًا في الباقي؛ لأنه لم ينزل إلى نصفه إلا للمؤنة، والفرض أن الباقي بعد رفع قدر المؤنة لا مؤنة فيه، فكان الواجب دائمًا العُشر، لكن الواجب قد تفاوت شرعًا مرة العُشر ومرة نصفه بسبب المؤنة، فعلمنا أنه لم يعتبر شرعًا عدم عشر بعض الخارج وهو القدر المساوي للمؤنة أصلًا] اهـ.
وبناء على ذلك: فإن قيمة الإيجار لا تُخصَم من المحصول قبل إخراج الزكاة.
الزكاة شعيرة فيها معنى التكافل وتطهير المال، ولكنها قبل ذلك عبادة قائمة على الاتباع، فتجب في أموال مخصوصة، بشروط مخصوصة، بنسب مخصوصة؛ لتُنْفَق في مصارفها المخصوصة، وقد بيَّن الشرع الشريف ذلك كله بيانًا واضحًا، ومن شروط وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام أن تكون سائمة؛ أي أن يكون طعامها من الكلأ المباح ولا يتكلف صاحبها علفًا ولا سقيًا لها، فإن تكلف لها العلف والسقي فلا زكاة فيها، مهما بلغ عددها أو قيمتها؛ لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا» رواه البخاري وغيره.
والمشاركة مع الفلاحين في الماشية إما أن تكون على سبيل التجارة وإما من قبيل المستغَلات، والفرق بينهما: أن التجارة هي أن تشتري لتبيع لتربح، من غير أن يتخلل ذلك عنصر الصناعة أو الإنتاج أو الاستغلال، أما المستغَلات فهي الأموال التي لم تُتَّخذ للتجارة في أعيانها ولكنها تُتَّخذ للنماء، فتغل لأصحابها كسبًا بتأجير أعيانها، كالشقق والسيارات، أو ببيع ما يحصل من إنتاجها، كالمصانع وشركات التعمير التي تشتري الأراضي وتعمرها لتبيعها وحدات سكنية، وكبهيمة الأنعام التي تُتَّخَذ لبيع لبنها وصوفها وتسمينها وبيع نتاجها.
فما كان على سبيل التجارة فزكاته زكاة عروض التجارة التي تُحسَب بضم رأس المال إلى الأرباح عند تمام الحَوْل القمري بعد طرح الأصول الثابتة -الجَدَك- والخصوم المتدوالة -الديون- ويُخرَج من الناتج ربع العُشْر.
أما المستغَلات فالذي عليه الفتوى أنه لا زكاة فيها، وإن كان بعض الفقهاء المعاصرين -ممن يميلون إلى توسيع نطاق الأموال التي تجب فيها الزكاة- يرون الزكاة فيها، إلا إننا نرجح الوقوف عند مورد النص في ذلك؛ تغليبًا لمعنى الاتباع في الزكاة، ولأن الأصل براءة الذمة مما لم يرد النص بإيجاب الزكاة فيه.
وعلى ذلك: فإن كانت المشاركة مع الفلاحين في الماشية لأجل التجارة فيها بشرائها وبيعها بأعيانها من غير استغلال لها بتسمين أو حَلْبٍ أو أخذ صوفٍ أو جلد أو تأجيرٍ ففيها زكاة عروض التجارة بحسب ثمنها وربحها وقت تمام الحول، ثم إخراج ربع العُشر عنها، وإن كانت المشاركة لاستغلالها بشيء مما ذُكِر أو علْفها وسقْيها ثم بيعها بعد ذلك سمينة فلا زكاة فيها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.