نرجو من سيادتكم الفتوى الشرعية في دية العين الواحدة.
العين الواحدة فيها نصف الدية؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ» رواه النسائي وغيره.
والذي عليه الفتوى في الديار المصرية أن نصفَ الديةِ هو ما يعادل سبعة عشر كيلوجرامًا وثمانمائة وخمسين جرامًا من الفضة تقريبًا، وتُقَوَّمُ هذه الكمية بسعر السوق طبقًا ليوم ثبوت الحق، ولأهل المجني عليه قبولها أو العفو عنها أو التصالح على جزءٍ منها.
المحتويات
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ» رواه النسائي والدارمي والبيهقي، ومعنى هذا أن العين الواحدة فيها نصف الدية، فلا بد من معرفة معنى الدية ومقدارها: فالدية: هي المال الذي يجب بسبب الجناية، وتُؤَدَّى إلى المجني عليه، أو وليه، وقد ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب فقد قال تعالى: ﴿وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا﴾ [النساء: 92].
وأما السنَّة المطهَّرة فما رواه النسائي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب كتابًا إلى أهل اليمن جاء فيه: «أَنَّ مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ قَوَدٌ إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ».
وقد أجمعت الأمة على وجوبها.
جمهور الفقهاء على أن ديةَ الرجل الحر المسلم مائةٌ من الإبل على أهل الإبل، ومائتا بقرةٍ على أهل البقر، واثنا عشر ألف درهمٍ على أهل الفضة، ومائتا حُلَّةٍ على أهل الحُلَلِ. وذلك التقدير واردٌ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأيها أحضر من تلزمه الدية لزم الولي قبولها، سواء أكان ولي الجباية من أهل ذلك النوع أم لم يكن؛ لأنه أتى بالأصل في الواجب عليه.
ولما كان هذا النظام غير متهيِّئ على كل الأحوال في عصرنا هذا فإنا نرى الأخذ بقيمة أقل صنف من أصناف الدية، ولأن الأصل براءة الذمة مما زاد على ذلك، وذلك متحققٌ في الفضة، فتكون الدية اثني عشر ألف درهم، والدرهم عند الجمهور 2.975 جرامًا تقريبًا، فيكون جملة ما هنالك 35 كيلوجرامًا و700 جرام من الفضة تقوَّم هذه الكمية بسعر السوق طبقًا ليوم ثبوت الحق رضاءً أو قضاءً، ثم تقسَّط على ما لا يقل عن ثلاث سنين، وتتحملها العاقلة عن القاتل، فإن لم يمكن فالقاتل، فإن لم يستطع جاز أخذ الدية من غيرهم ولو من الزكاة.
أمَّا دية المرأة: فمذهب جمهور العلماء أنها على النصف من قيمة دية الرجل؛ لما روى البيهقي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ»، قال البيهقي: وإسناده لا يثبت مثله. وذهب الأصَمُّ وابن عُلَيَّة إلى أن دية المرأة مثل دية الرجل، ولكن العمل والفتوى على ما عليه الجماهير؛ للحديث السابق وأشباهه. ولا فرق في دية المقتول خطأً بين أن يكون كبيرًا أو صغيرًا.
التصالح في أمر الدية بالعفو أو بقبول قيمة أقل أمر مشروع بنص القرآن الكريم حيث يقول تعالى: ﴿وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا﴾ [النساء: 92]، ويقول: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ [البقرة: 178].
وقد فوض الشارع الحكيم لأهل القتيل التنازل عن الدية أو عن بعضها تخفيفًا عن القاتل إن لم يتيسر دفعها أصلًا أو دفعها كلها، وقبول الدية جائز شرعًا؛ لأنها حق لأهل القتيل فلهم قبولها أو التنازل عنها أو التصالح على جزء منها.
بناءً على ما ذُكر وفي واقعة السؤال: فإن الدية الواجبة في العين الواحدة تساوي سبعة عشر كيلوجرامًا وثمانمائة وخمسين جرامًا من الفضة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.