الطريقة المثلى لبناء الأسرة

  • دار الإفتاء المصرية
  • تاريخ النشر: 18 مايو 2022

بنى الإسلام الأسرة وفق طريقة مثلى تمثل غاية الرقي والكمال في النظام الاجتماعي للإنسان من خلال تشريع الأسس المتينة والآداب الحكيمة الضابطة للحياة الأسرية حتى يكون بناؤها صلبًا تنعم أفرادها في ظلاله بالرحمة والسعادة ووسائل الكرامة والفلاح.

ويحتل الزواج أهمية محورية في بناء الأسرة السعيدة وتكوينها، وهو منضبط بجملة من الشروط والمعايير الشرعيَّة والعرفية ترتقي به إلى أن يكون عملية اجتماعية ذات طبيعة إنسانية؛ بدلًا من أن يكون مجرد صورة تتدفق من خلالها الغريزة الجنسية بين طرفين، فضلًا عن كونه وسيلة ناجعة لتجنيب الإنسان والمجتمع الدخول في إطار الانحراف والممارسات الخاطئة التي أفرزتها الأنماط والتحولات الجديدة على ساحة الأسرة في الآونة الأخيرة.

  وتتلخص هذه المعايير في مراعاة القيم والثقافة والمعاني الضابطة لممارسات أفراد الأسرة وتفاعلهم مع بعضهم، والتي تشمل الزوجين قبل بدء العلاقة الزوجية، ومن ثَمَّ يطالب الرجل والمرأة وقت الخِطبة والتعرف بحسن الاختيار من خلال النظر إلى مدى ملاءمة حال الرجل لحال المرأة وفق أبعاد الكفاءة ومعاييرها من النسب والحرية والخُلُق والسلوك والتربية المتشابهة والثقافة والتعليم والمال والجمال والسلامة من العيوب، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ» "سنن الترمذي"، وقال: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» "صحيح البخاري".

كما تشمل الرجل والمرأة بعد الزواج حيث المطالبة بضرورة مراعاة المساواة بينهما في أصل الخِلقة والتكاليف الشرعية واحترام الآخر ومشاعره وتقدير متاعبه الحياتية وتجنب العناد والتنازع وما يجرح كرامته، فلا تحقير لأي طرف منها ولا تقليل من شأنه، بل لا بد أن تبنى الحياة بينهما على المعاشرة بالمعروف والمعاملة بالفضل قولًا وفعلًا وخلقًا، وذلك حق لطرف وواجب على الطرف الآخر وبالعكس مع عدم إتباع ذلك بمنٍّ؛ امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228].

وينبغي أن يتشارك الزوجان في بناء الأسرة في صفاء نفس ومحبة ومودة مع محاولة إصلاح ما يظهر من عيوب وسترها وحفظها، بل خوطب كلا الزوجين بالصبر على ذلك حفاظًا على الأسرة ورباط الزواج ما دام في حدود الطاقة والاحتمال، حيث قال تعالى: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19]، وحثَّ سبحانه تعالى المرأة باتباع الصلح وعدم التمادي في الخصام فقال: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: 128]، مما يحفظ عليهما استقرارهما الأسري وكرامتهما أمام الآخرين.

ويراعي الزوجان ضرورة تهيئة الحياة الزوجية بينهما وأن يكون مبناها على المودة والرحمة، فيتم تغليب المعاملة بالفضل والإحسان؛ فتتلاشى في العلاقة الزوجية مظاهر الأنانية وحب الذات، فضلًا عن عدم افتعال المعارك وأخذ الحقوق والتنصل من الواجبات، ومن ثّمَّ لا تكون الحياة بين الزوجين جافة نفعية، ومجرد أداء للواجبات في مقابل الحقوق من الطرفين.

إن الزوجة بمثابة السكن للزوج ومحل اطمئنان قلبه وواحة الراحة والهدوء التي يلجأ إليها، ولذلك يتأكد عليه أن يبذل ما في وسعه من ملاطفة حسية ومعنوية وحسن عشرة واحترام شخصيتها وتقديم الدعم النفسي الذي يساعدها على تجديد ذاتها، وفي نظير ذلك سيحصد منها المساعدة والعون على أعباء الحياة اليومية فضلًا عن توفير البيئة الاجتماعية السليمة لتنشئة الأبناء تنشئة سوية.

***

 

مقالات ذات صلة