مبررات الزواج

  • دار الإفتاء المصرية
  • تاريخ النشر: 18 مايو 2022

فطر الله تعالى الكون على وجود ثنائياته من أجل أن تتكامل؛ فخلق الشمس والقمر، والليل والنهار، والسماء والأرض، وكذلك الذكر والأنثى، وهيأ سماتٍ خاصةً بكل جنس وما هو مخلوق لأجله على قدر طاقته وخصائصه، وتترتب على هذه السمات والخصائص مجموعة الوظائف، وفى ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الذاريات: 49]، وقال سبحانه أيضًا: ﴿سُبْحَانَ الَّذِى خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُون﴾ [يس: 36].

ولا ريب أن ارتباط الذكر بالأنثى يحافظ على الحياة الدنيا ويضمن استمرارها واستقرارها وفق توازن مُحكم؛ فقد خلق الله تعالى البشرية من أصل واحد وهو سيدنا آدم عليه السلام، ثم أخرج زوجه حواء منه، ثم بثَّ منهما كل أفراد الإنسان على ظهر المعمورة عبر العصور؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء: 1]، ثمَّ يُقال لكل من الرجل والمرأة إذا عُقد زواجهما أي قرانهما: زوجان؛ فالرجل زوج والمرأة زوج.

والزواج مصطلح مرادف للنكاح، وتدور عبارات الفقهاء القدامى في تعريفه غالبًا على بيان ثمرة العقد وهو حِلُّ كلٍّ من الزوجين للآخر، لكن عبارات بعض العلماء المعاصرين كانت أكثر كشفًا وبيانًا؛ كالشيخ محمد أبو زهرة الذي عرَّف هذا العقد بقوله: "عقد يفيد حِلَّ العشرة بين الرجل والمرأة، وتعاونهما، ويُحدِّد ما لكليهما من حقوق وما عليهما من واجبات".

والزواج من سنن الحياة وعاداتها المتوارثة؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قابل أحدًا من الناس سأله عن حالته؛ فإذا كان متزوجًا سكت، وإن لم يكن حَثَّهُ على الزواج، بل وأعانه عليه، وقد بلغه أن نفرًا من أصحابه صلى الله عليه وسلم سألوا عن عبادته، فلما أُخبِروا بها كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» "صحيح البخاري".

ولما كان الزواج من الأهمية بمكان وأنه لا يهمل ولا يفرط فيه، كانت الوسائل المؤدية إليه لها نفس المكانة، ولما كانت الفطرة داعية إليه والغريزة مؤدية إليه كان الأمر به على سبيل الندب ليكون من العبادات التي يثاب عليها الإنسان؛ فقد روى أبو ذر رضي الله عنه فقال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ذهب أهل الأموال بالأجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن فيك صدقةً كثيرة» فذكر فضل سمعك وفضل بصرك، قال: «وفي مباضعتك أهلك صدقة»، فقال أبو ذر: يؤجر أحدنا في شهوته، قال: «أرأيت لو وضعته في غير حِلٍّ أكان عليك وزر؟» قال: نعم، قال: «أفتحتسبون بالشر ولا تحتسبون بالخير؟» "مسند أحمد".

وبذلك تتجلى فوائد الزواج ومبرراته؛ فليس مقصوده في حقيقة الأمر: المتعة وحسب، بل المقصود منه إلى جانب ذلك المحافظة على الإنسان وتحقيق التناسل وبقاء النوع الإنساني، وتحصين النفس وصيانتها عن الفاحشة، وتجنب مضار الإباحية، وكذا عصمة الشباب، ويكون به التأنس والسكن الروحي والنفسي وفرح النفس وسط شدائد الحياة ومتاعبها، وهو ما قرره القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].

***

 

مقالات ذات صلة